مُذْهَبَةٌ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَام سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بها مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) (١).
وهذه: صدقةُ العلانيةِ فيها أفضَلُ مِن السِّرِّ؛ للحاجةِ للإعلانِ لحثِّ الناسِ ودَفْعِهِمْ إلى الصَّدَقةِ لِتُسَدَّ حاجةُ الناسِ، ويخرُجَ شُحُّ النفوسِ منها، وربَّما هناك مَن يَمْنَعُهُ الحياءُ مِن النفقةِ؛ لِقِلَّةِ ما في يدِهِ؛ فلا يَرَاهُ يساوي شيئًا، فإذا رأى صاحبَ القليلِ والكثيرِ يُنفِقُ، أنفَقَ؛ لأنَّ النفوسَ تستوحِشُ مِن الانفرادِ عن فِعْلِ بني جِنْسِها.
محوُ الحَسَناتِ للسيِّئَاتِ:
وفي الآيةِ: تكفيرُ الصدقةِ للسَّيِّئاتِ: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وفي حديثِ حُذَيْفةَ في "الصحيحِ"؛ قال: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ، وَوَلَدِهِ، وَجَارِهِ: تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، وَالصَّدَقَةُ) (٢).
وفي "المسندِ"، و"السُّنَنِ"؛ مِن حديثِ كَعْبِ بنِ عُجْرةَ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ) (٣).
وكُلُّ حسنةٍ تمحُو سيِّئةً، وكلُّ سيِّئةٍ لها أثرٌ على حَسَنةٍ، وقد تَمْحُوها، والحَسَناتُ والسِّيئاتُ يَتَغَالَبْنَ، والغَلَبةُ للأكثَرِ والأعظَمِ، إلا التوحيدَ لا يَمْحُوهُ إلا الشِّرْكُ، والشِّرْكَ لا يَمْحُوهُ إلا التَّوحيدُ، والمُشْرِكُ لا أَثَرَ لطاعاتِهِ ما لم يوحِّدُ، فلا يَكْسِبُ بها أجرًا، ولا يكفِّرُ لها ذنبًا، إلا إنْ أسلَمَ فيُكتَبُ له ما سلَفَ مِن عملِهِ الخالِصِ فقطْ؛ لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -:
(١) أخرجه مسلم (١٠١٧) (٢/ ٧٠٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٣٥) (٢/ ١١٣).
(٣) أخرجه أحمد (١٥٢٨٤) (٣/ ٣٩٩)، والترمذي (٦١٤) (٢/ ٥١٣).