فيه الضعفُ، مع القولِ بجوازِ دَفْعِه، بل بوجوبِهِ إن تعذَّرَتِ الرؤوسُ والقُوَّةُ، ولم يُرِدْ أحمدُ ألَّا يُفَكَّ الأسيرُ بالمالِ.
ويُروى عن عُمَرَ: أنَّ فَكَاكَ الأسيرِ يكونُ مِن بيتِ المالِ.
والحقُّ: أنَّ فَكَاكَ الأسيرِ أَوْلى مِن جميعِ الأصنافِ الثمانيةِ مِن بيتِ المالِ وأموالِ المسلمينَ.
والآيةُ نزَلَتْ في المهاجِرِينَ الذين جاؤُوا مِن مَكَّةَ إلى المدينةِ، فحَبَسَتْهُمْ هِجْرَتُهم عن حُرِّيَّةِ الضَّرْبِ في الأرضِ والرزقِ؛ لتربُّصِ المشرِكِينَ بهم وبَحْثِهم عنهم، فلا يستطيعونَ رَعْيًا في ماشيةٍ خارجَ المدينةِ، ولا سَفَرًا للشامِ أو اليَمَنِ للتجارةِ؛ خوفًا مِن تربُّصِ قريشٍ بِهم، وقطعِهِمْ لطريقِهِمْ أو تبيِيتِهِمْ؛ فقد كان لقُرَيْشٍ أَعْيُنٌ بِالمدينةِ.
روى ابنُ جريرٍ، عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ؛ في قولِه: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: مهاجِرِي قُرَيْشٍ بالمدينةِ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أمَرَ بالصَّدَقةِ عليهم (١).
وبهذا قال أبو جعفرٍ والسُّدِّيُّ وغيرُهما (٢).
ويدخُلُ في هذا مَن حبَسَ نفسَهُ في سبيلِ اللهِ ينتظِرُ الغَزْوَ ودعوى النفيرِ، فمنَعَهُ تربُّصُهُ وحَبْسُهُ لنفسِهِ مِن التجارةِ والزراعةِ، وقد روى ابنُ جريرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ؛ في قولِه: {الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ قال: حَصَرُوا أنفُسَهُمْ في سبيلِ اللهِ للغَزْوِ (٣).
وفي الآيةِ: أنَّ الأصلَ في غيرِ المحصورِ والمنتظِرِ: العملُ وأكلُهُ مِن كسبِ يدِهِ، وبَذْلُهُ للأسبابِ؛ فالآيةُ جَعَلَتْ حَصْرَهُمْ لأنفسِهِمْ في
(١) "تفسير الطبري" (٥/ ٢٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٥٤٠).
(٢) "تفسير الطبري" (٥/ ٢٣).
(٣) "تفسير الطبري" (٥/ ٢٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٥٤٠).