ولو أُخرِجَ مِن دارِهِ إن كانتِ الدارُ أمانةً عندَه، ما لم يَبْتَعِ الدارَ دَيْنًا، ومِثلُ ذلك الطعامُ واللباسُ وغيرُ ذلك؛ لأنَّ الله يقولُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء: ٥٨.
وقولُهُ تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ أَي: تضَعُوا رؤوسَ أموالِكُمْ مِن الدَّيْنِ أو بعضِهِ على المُعْسِرِ صَدَقةً وتَيسيرًا عليه.
احتساب الدَّيْن من زكاةِ الدائن:
واختلَفوا في إسقاطِ الدَّيْنِ على المدِينِ الفقيرِ، وحِسَابِهِ مِن زَكَاةِ الدائنِ:
فذهَبَ إلى عدَمِ الإجزاءِ: أبو حنيفةَ وأحمدُ وسُفيانُ وأبو عُبَيْدٍ، وهو وجهٌ للشافعيِّ، وحَكَى ابنُ تيميَّةَ عدَمَ معرفةِ النزاعِ في عدَمِ الإجزاءِ.
وقيل: يُجْزِئهُ؛ وهو قولُ أهلِ الظاهِرِ، وهو مرويٌّ عن عطاءٍ.
ورخَّصَ في ذلك الحسنُ البصريُّ في الديونِ، لا في حقوقِ البيوعِ؛ قال: "فأمَّا بُيُوعُكُمْ هذهِ، فَلَا" (١).
وعلَّل مَن قال بالإجزاءِ: أنَّه لو دفَعَ المَدِين دَيةُ لدائنِهِ، ثمَّ أرجَعَهُ للمَدِينِ مِن زَكَاتِه، جازَ وصحَّ؛ وفي هذا نظرٌ؛ وذلك أنَّ إخراجَ الزكاةِ شيءٌ، وإسقاطَ الدَّيْنِ شيءٌ؛ لأنَّ اللهَ جعَلَ في المالِ نِصَابًا وحَوْلًا ليُزكَّى، وفي النِّصَابِ زَكَاةٌ يُخرِجُها الإنسانُ مِن مالِهِ لا يُسقِطُها في مالِ غَيرِهِ؛ قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} التوبة: ١٠٣، فالزَّكَاةُ تُؤخَذُ مِن مالِهِ لا تسقُطُ مِن مالِ غيرِهِ عنه؛ فمالُ المُعسِرِ ليس مالًا له حتَّى يَقبِضَهُ الدائنُ، ثمَّ إنَّ مالَ المُعسِرِ معدومٌ
(١) أخرجه القاسم بن سلام في كتاب "الأموال" (ص ٥٣٣).