أبي الزُّبيرِ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ؛ أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَإن تَسْلِيمَهُمْ بِالأَكُفِّ وَالرُّؤُوسِ وَالإِشَارَةِ) (١).
ولو قرَنَ الإشارةَ بالسلامِ حتى مع البعيدِ، أو مع مَن حالَ دونَ سماعِه حائلٌ، فهو أَوْلى وأَتْبَعُ للسُّنَّةِ؛ فعن أسماءَ بنتِ يزيدَ الأنصاريَّةِ - رضي الله عنهما -، أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ في المسجدِ يومًا وعُصْبَةٌ مِن النساءِ قُعُودٌ، فأَلْوَى بيدِه إليهنَّ بالسلامِ، رواهُ أحمدُ والترمذي (٢).
وفي قولهِ تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} دليل على فضلِ ذِكْرِ اللهِ، وأنَّ اللهَ اسْتَثْنَى ذِكْرَهُ مِن عجزِ زكريَّا عن الكلامِ؛ لأنَّ الذِّكْرَ غذاءُ القلبِ وبتركِهِ يموتُ، فيَصبِرُ الإنسانُ عن الكلامِ، ولا يَصبِرُ عن ذِكرِ اللهِ؛ فقد روى الطبريُّ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ؛ قال: لو كان اللهُ رخَّصَ لأحدٍ في تَرْكِ الذِّكْرِ، لرخَّصَ لزكريَّا؛ حيث قال: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} (٣).
* * *
قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)}. آل عمران: ٣٩.
يُحتمَل في الصلاةِ هنا مَعْنَيَانِ:
الأولُ: الدعاءُ.
الثاني: الصلاةُ المعروفة عندهم، وبهذا قال السُّدِّيُّ وغيرُه.
(١) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (١٠١٠٠) (٩/ ١٣٤).
(٢) أخرجه أحمد (٢٧٥٨٩) (٦/ ٤٥٧)، والترمذي (٢٦٩٧) (٥/ ٥٨).
(٣) "تفسير الطبري" (٥/ ٣٩١).