قال تعالى {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} آل عمران: ٤٣.
أمَرَ اللهُ مريمَ بالصلاةِ له؛ لِتَقْوَى صِلتُها به، ويَعظُمَ ثباتُها، ويَثقُلَ ميزانُها؛ فإنَّ الصلاةَ أعظمُ أعمالِ الجوارحِ، والقنوتُ في الآيةِ: طولُ الركوعِ والسكونُ والخشوعُ فيها؛ قال مجاهدٌ: {اقْنُتِي}؛ أيْ: أطِيلِي الرُّكُودَ (١).
ومعناهُ: طولُ الانْتِصْابِ بينَ يدَيِ اللهِ؛ وبه قال أبو العاليةِ والربيعُ والأوزاعيُّ.
وقيل: المرادُ به الطاعةُ؛ وبه قال قتادةُ وغيرُه (٢).
صلاةُ بني إسرائيل:
وصلاةُ بي إسرائيلَ ذاتُ ركوعٍ وسجودٍ، ولكن قيل: إنَّها تَختلِفُ عن صلاةِ أهلِ الإسلامِ في عددِ الركعاتِ والصلواتِ والمواقيتِ.
وقال بعضهم: إنَّ اللهَ أمَرَها بالركوعِ مع الراكعينَ، والمرادُ: شهودُ حضورِ أماكنِ الصلاةِ في الكنائسِ.
وفي هذا المعنى في هذه الآيةِ نظرٌ؛ فإن اللهَ أمَرَها أن تَشْرَكَ العامِلِينَ في عملِها ممَّن سِبَقَها وحضَرَها مِن الصالحينَ؛ وهو كقولِ اللهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)} التوبة: ١١٩؛ أيَّ: في الاتِّصافِ بصفتِهِمُ الظاهرةِ والباطنةِ، مع أنَّ صلاةَ النساءِ للجماعةِ كانت في بَني إسرائيلَ أوَّل الأمرِ، ثمَّ مُنِعْنَ من ذلك، لِما جاء مِن حديثِ عائشةَ؛ قالت: "لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ"؛ متَّفَقٌ عليه (٣).
(١) "تفسير الطبري" (٥/ ٣٩٨).
(٢) "تفسير الطبري" (٥/ ٣٩٩).
(٣) أخرجه البخاري (٨٦٩) (١/ ١٧٣)، ومسلم (٤٤٥) (١/ ٣٢٨).