(فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا)، وأمرَ بعدمِ التعدِّي والتعنيفِ في قولِه: (وَلَا يُثَرِّبْ)؛ فإنَّ الزيادةَ عن الحدِّ ظلمٌ، وحدُّ الأَمَةِ نصفُ حدِّ الحُرَّةِ، كما يأتي بيانُهُ بإذنِ اللهِ.
ويظهرُ الخطابُ متوجِّهًا إلى السيدِ فيما روى مسلمٌ, والتِّرمِذيُّ، وغيرُهما؛ مِن حديثِ أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ؛ قال: خطَبَ عليٌّ - رضي الله عنه -، فقال: أيُّها الناسُ، أَقِيمُوا الحدودَ على أَرِقَّائِكم؛ مَن أَحْصَنَ منهم ومَن لم يُحْصِنْ؛ فإنَّ أَمَةً لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زنَتْ فأَمَرَني أنْ أَجلِدَها, فإذا هي حديثُ عهدٍ بالنفاسِ، فخَشِيتُ إنْ أنا جَلَدتُّها أنْ تموتَ، فأتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبَرتُه، فقال: (أَحْسَنْتَ، اتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ) (١).
وهذا هو عملُ الصحابةِ والتابعينَ، ومِثلُ هذا العملِ إذا وقَعَ في زمنِهم يشتهِرُ ويستفيضُ ويَصِلُ إلى الحاكمِ والمحكومِ، وإذْ لم يُعارَضْ صريحًا مِن إمامِ المسلِمينَ حِينَها، دلَّ على جوازِهِ وصحةِ وقوعِه.
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: "رُوِيَ عن جماعةٍ مِن الصحابةِ: أنَّهم أقامُوا الحدودَ على ما ملَكَتْ أيمانُهم؛ منهم ابنُ عمرَ، وابنُ مسعودٍ، وأنسٌ، ولا مخالِفَ لهم مِن الصحابةِ" (٢).
فقد روى ابن أبي شَيْبةَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلَى؛ قال: "أدرَكْتُ أشياخَ الأنصارِ إذا زنَتِ الأَمَةُ، يَضرِبونَها في مَجالِسهم" (٣).
وروى نافعٌ، عن ابنِ عمرَ: "أنَّه كان يضرِبُ أمَتَهُ إذا فجَرَتْ" (٤).
وأخرَجَ عبدُ الرزَّاقِ، ومِن طريقِه ابنُ حزمٍ في "المحلَّى"، عن
(١) أخرجه مسلم (١٧٠٥) (٣/ ١٣٣٠)، والترمذي (١٤٤١) (٤/ ٤٧).
(٢) "الاستذكار" (٧/ ٥٠٨).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٢٨٢٨٤) (٥/ ٤٩١).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (٢٨٢٨٢) (٥/ ٤٩١).