* قال تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} آل عمران: ١١٧.
ضرَبَ الله مثلًا لنفقةِ الكافرِ أنَّه لا يَتقبَّلُ منها شيئًا، والصِّرُّ هو البَرْدُ الشديدُ؛ قاله ابنُ عباسٍ وعكرمةُ وسعيدُ بنُ جُبيرٍ وغيرُهم (١).
ورُوِيَ عن ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ: أنَّه النارُ (٢).
وسببُ عدمِ انتفاعِهم هم أنفسُهم؛ فاللهُ لم يَظلِمْهم، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، فهم لم يُقدِّموا العملَ للهِ وحدَهُ، وإنْ أخلَصُوا فيه لربِّهم، فهم لم يُقدِّمُوهُ لله؛ وإنَّما لغيرِه مِن الأربابِ مِن صنمٍ أو وثنٍ أو سلطانٍ، أو طلبًا لِلجاهِ والمَنزِلةِ؛ كما كان الناسُ يَفعلونَ في الجاهليَّةِ.
وهذه الآيةُ نظيرُ قولِهِ تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} إبراهيم: ١٨.
وكلُّ مَن قدَّمَ عملًا في دُنياهُ لدُنياه، لم يُؤجَرْ عليه في أُخرَاه؛ ففي "الصحيحِ"، عن عائشةَ؛ قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله، ابنُ جُدْعَانَ كان في الجاهليَّةِ يَصِلُ الرحِمَ، ويُطعِمُ المسكينَ، فهل ذاك نافِعُهُ؟ قال: (لَا يَنْفَعُهُ؛ إِنَّهُ لم يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (٣).
ومِثلُ هذا قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لابنةِ حاتمٍ الطائيِّ سَفَّانَةَ، حينَما ذكَرَتْ مكارمَ
(١) "تفسير الطبري" (٥/ ٧٠٥، ٧٠٧)، و"تفسير ابن المنذر" (١/ ٣٤٣، ٣٤٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٧٤١).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٧٤١).
(٣) أخرجه مسلم (٢١٤) (١/ ١٩٦).