وعلى هذا الحديثِ عملُ الصحابةِ والتابعينَ وجمهورِ الفقهاءِ؛ كالشافعيِّ وأحمد وصاحِبَيْ أبي حنيفةَ وبعضْ أصحابِ مالكٍ.
وحَدَّ مالكٌ وأبو حنيفةَ البلوغَ لغيرِ المُحتلِمِ بثمانيةَ عشَرَ، وفي روايةٍ عنهما بسبعةَ عشَرَ، وفي قولٍ فرَّقَ أبو حنيفةَ بينَ الجاريةِ والغلامِ؛ فحَدَّ الجاريةَ بسبعةَ عشَرَ، ما لم يبلُغَا الاحتلامَ قبلَ ذلك؛ تمسُّكًا بظاهرِ القرآنِ في قولِهِ تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} النور: ٥٩.
واعتبارُ السنِّ في البلوغِ ثَبَتَتْ به السُّنَّةُ، وجَرَى عليه عملُ السلفِ، والاحتلامُ لا يُنافِيهِ؛ بل هما علامتانِ للبلوغِ قد يَجتمِعانِ وقد يَفترِقانِ؛ فمَا يسْبِقْ منهما، فهو مُثْبِتٌ للبلوغِ، فقد تتعدَّدُ العلاماتُ والأدلَّةُ على ثبوتِ الشيءِ الواحدِ مجتمِعةً ومفترِقةً، يدُلُّ على هذا العقلُ والنقلُ.
وحدُّ البلوغِ بسنِّ الثامنةَ عَشْرةَ لا دليلَ عليه سوى ما يراهُ أبو حنيفةَ: أنَّه أقصَى ما يَغْلِبُ على الظنِّ معه بلوغُ الرجالِ حدَّ نضوجِ العقلِ والقوَّةِ، وما قَبْلَه ظنٌّ؛ وهذا نظرٌ لا يَدفَعُ النصَّ.
بلوغ الفتاةِ بالحَيْضِ:
وتبلُغُ النساءُ بنزولِ الحيضِ؛ وذلك لقولِ اللهِ تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الطلاق: ٤.
وجعَلَ مالكٌ غِلَطَ الصوتِ وخشونتَهُ علامةً على البلوغِ.
علامةُ إنباتِ الشَّعْر على البلوغ:
والإنباتُ دليلٌ على البلوغِ ما لم يكُن ذلك عن مرضٍ في دمٍ أو هرمونٍ يَعرِفُهُ أهلُ الطِّبِّ؛ وقال بهذا أحمدُ، وهو قولٌ لمالكٍ والشافعيِّ، وهو الصحيحُ؛ لقضاءِ سعدِ بنِ معاذٍ، في يهودِ في قُرَيْظَةَ؛ أنَّ يُقتَلَ مَن أنبَتَ مِن رجالِهم، وتُسْبَى ذَرَارِيُّهم؛ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (قَضَيْتَ