قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} النساء: ٧.
كان أهلُ الجاهليَّةِ يجعَلُونَ الميراثَ للرجالِ، وَيمْنَعُونَ النساءَ والصِّغارَ؛ فبيَّنَ اللهُ بُطْلانَ ذلك، وأنَّ حقَّهم في الإرثِ مِن حقِّهم في القَرَابَةِ، ولا فَرْقَ بينَ صغيرٍ وكبيرٍ، مِن الرجالِ والنساء، والفرقُ بينَ الذكورِ والإناثِ مقدَّرٌ بحكمتِهِ سبحانَهُ كما يأتي بيانُهُ بإذنِ اللهِ.
قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ وقتادةُ: "كان المُشرِكونَ يجعلونَ المالَ للرجالِ الكِبَار، ولا يُوَرِّثُونَ النساءَ ولا الأطفالَ شيئًا" (١).
والاشتراكُ في الميراثِ والحق بينهم لا يَختلِفُ في كثرةِ المالِ وقِلَّتِه؛ وذلك ظاهرٌ في قوله: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}، فإذا كان المتروكُ دِرْهَمًا، كما لو كان المتروكُ قِنْطارًا، فلكلِّ حقُّهُ ونَصِيبُهُ المفروضُ، لا تَمنَعُ مِن قِسْمةِ اللهِ وحقوقِ الوارِثِينَ قِلَّةُ المال، ولا تَدْفَعُهُمْ عليها كَثْرَتُهُ.
وقيل: إنَّ الآيةَ كانت قبلَ تقديرِ اللهِ فرائضَ الوَرَثَةِ؛ فكان لكلِّ نصيبُهُ ضربًا ما تراضَوْا، ثمَّ نُسِخَتْ بالفرائصِ في القرآنِ والسُّنَّةِ؛ وبهذا قال الشافعيُّ.
تعصيبُ الأخواتِ مع البناتِ:
وفي الآيةِ: {لِلرِّجَالِ}، وقولُه: {وَلِلنِّسَاءِ} دليلٌ على عدمِ التفريقِ في الحقِّ ببنَ الذكورِ والإناث، إلا ما دَلَّ عليه النصُّ، وقد اختُلِفَ في
(١) "تفسير ابن كثير" (٢/ ٢١٩). وينظر: "تفسير الطبري" (٦/ ٤٣٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٧٢).