روى أبو مَيْسَرَةَ، قال: قال لي ابنُ مسعودٍ: "إِنَّكُمْ مِنْ أَحْرَى حَيٍّ بِالْكُوفَةِ أَنْ يَمُوتَ أحَدُكُمْ، وَلَا يَدَعُ عَصَبَةً وَلَا رَحِمًا، فَمَا يَمْنَعُهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يَضَعَ مَالَهُ فِي الْفُقَرَاء وَالمَسَاكِينِ؟ ! " (١).
وروى ابنُ سِيرينَ، عن عَبيدَةَ؛ قال: "إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَيسَ عَلَيْهِ عَقْدٌ لِأَحَدٍ وَلَا عَصَبَةٌ يَرِثُونَهُ، فَإِنَّهُ يُوصِي بِمَالِهِ كُلِّهِ حَيْثُ شَاءَ" (٢).
وكان زيدُ بنُ ثابتٍ يرَى أنَّ بيتَ المالِ أحَقُّ بذلك مِن الوصيَّةِ بما زادَ عن الثلُثِ.
إذنُ الورثةِ بالوصيَّةِ بأكثر منَ الثلثِ:
وإذا أَوْصَى الشخصُ بأكثَرَ مِن ثلُثِ مالِهِ، لم تكنِ الوصيَّةُ بما فوقَ الثلثِ نافذةً، واختُلِفَ في بُطْلانِها وعدمِ صحَّتِها:
فذهَبَ عبدُ الرحمن بنُ كَيْسَانَ والمُزَنِيُّ وبعضُ الفقهاءِ مِن المالكيَّةِ والحنابلةِ: إلى بُطلانِها وعدمِ صحَّتِها.
وذهَبَ جمهورُ الفقهاءِ: إلى أنَّها مُعلَّقةٌ بإجازةِ الورثةِ لها، وإجازةُ الورثةِ لها على حالَيْنِ:
- إجازةٌ لها قبلَ موتِ المُوصي؛ وهذه إجازةٌ غيرُ مُعتبَرةٍ؛ لأنَّ المالَ لا يكونُ مِلْكًا لهم إلا بعدَ موتِه، وإجازتُهم للوصيَّةِ فرعٌ عن مِلْكِهم للمالِ كلِّه.
- إجازةٌ للوصيَّةِ بعدَ موتِ المُوصِي؛ فهذه معتبَرةٌ؛ لأنَّهم مَلَكُوا المالَ، ولهم حقُّ التصرُّفِ فيه.
وأمَّا مَن قال ببُطْلانِها أصلًا؛ فلا يرَى أنَّ عَقْدَها صحيحٌ مِن المُوصِي؛ فإنْ سَمَّى مصارفَ وأعيانًا، لا تَمْضِي إليهم كما سمَّاهُ؛ لبُطْلانِ
(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٦٣٧١) (٩/ ٦٨).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٦٣٧٠) (٩/ ٦٨).