أبو العاليةِ وطاوسٌ وغيرُهما (١)، ومعنى ذلك على هذا القول: أنَّ الله حرَّم العفيفات إلّا بعقد نكاحٍ ووليٍّ وشهودٍ ومهْرٍ، ويحرم ما زاد عن أربعٍ منهنَّ.
والقولُ الأولُ أصحُّ، والقول الثاني يعضُدُ أنَّ المراد بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} النساء: ٢٢؛ أي: ما وطئها الأبُ بعقدٍ ونكاحٍ، لا بِزنًى وسِفاحٍ، وأنَّ الموطوءة بسِفاحٍ من الأب لا تحرُمُ على الابنِ.
والأرجحُ: أنَّ المراد بالمُحْصَنات في هذه الآية: النساء المتزوجاتُ؛ فقد نزلت الآية في سبي أوطاسٍ؛ حيث سُبين وهنَّ تحت أزواجٍ، فتحرَّج الصحابة من ذلك - رضي الله عنهم - , فأنزل اللهُ هذه الآية؛ كما روى أحمد ومسلمٌ في "صحيحه"؛ من حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ؛ قال: "أصَبْنَا نساءً من سَبْيِ أوطاسٍ، ولهنَّ أزواجٌ، فكرهنا أن نَقَعَ عليهنَّ ولهنَّ أزواجٌ، فسألنا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فنزلَتْ هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} , فاسْتَحْلَلْنا بها فُرُوجَهُنَّ" (٢).
اعتبارُ بَيْعِ الأمة طلاقًا:
وقولُه تعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: أخذ بعض السلف منه: أنَّ بيع الأمة طلاقٌ لها من زوجها؛ لأنَّ الله ذكر حِلَّها لمالكها بمجرَّد مِلْكِها، ولازم ذلك: أنَّ بيعها فسخٌ أو طلاقٌ، وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القولُ الأولُ: أنَّ البيعَ طلاقٌ؛ وبهذا قال ابنُ مسعودٍ، كما رواهُ النخَعيُّ؛ وقد سُئِلَ: الأمَةُ تُباعُ ولها زوجٌ؟ قال: كان عبدُ اللهِ يقولُ:
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٦٨ - ٥٦٩)، و"تفسير ابن كثير" (٢/ ٢٥٨).
(٢) أخرجه أحمد (١١٦٩١) (٣/ ٧٢)، ومسلم (١٤٥٦) (٢/ ١٠٧٩).