وفي روايةٍ عندَ أبي داودَ: أنَّ ذلك كاد في حَجَّةِ الوداعِ (١)؛ وهي روايةٌ شاذَّةٌ.
وفي مسلمٍ؛ مِن حديثِ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ: "رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ أَوْطَاسٍ فِي المُتْعَةِ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا" (٢)
وعامُ أَوْطَاسٍ وفتحِ مكةَ واحدٌ.
ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسِ روايةٌ بالتحريم، وروايةُ الجوازِ أصحُّ عنه وأشهَرُ.
وقولُه تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}.
على قولِ مَن قال: إنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في نِكاحِ المُتْعة، والمتعةُ هي النكاحُ إلى أجَلٍ بيِّنِ مشروطٍ، فمعنى الآيةِ: لا حَرَجَ عليكم مِن الزيادةِ على ذلك الأجَلِ المُسمَّى بإضافةِ أجَلٍ جديدٍ قبلَ أنْ يَحِلَّ الأجَلُ الأَولُ، فإذا حَلَّ، مَلَكَتْ نفسَها مِن زوجِها.
وقال ابنُ عبَّاسٍ في التراضِي بالآيةِ بعدَ الفريضةِ: أنْ يُوَفِّيَها مهرَها ثمَّ يُخيِّرَها بينَ البقاءِ عندَهُ وبينَ مفارقتِهِ إحسانًا ومعروفًا منه، وهو صحيحٌ عنه؛ رواهُ عليُّ بنُ أبي طلحةَ عنه؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ وغيرُهُ (٣).
وختمُ اللهِ لِمَا سَبَقَ بقولِه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} إشارةٌ إلى أنَّ اللهَ لا يَقْضِي لعِبادِهِ إلا الحقَّ والخيرَ ممَّا يُصْلِحُهُمْ، فيَحْكُمُ بعِلْمٍ ويَقضي برَحْمةٍ؛ فإنَّ مِن القضاءِ وحُكْمِ اللهِ ما لا تَظهَرُ حِكْمَتُهُ وعِلَّتُهُ لبعضِ الناسِ؛ فوَكَلَ اللهُ ذلك لعِلْمِهِ الواسعِ الذي لا يُحِيطُ له أحدٌ،
(١) أخرجه أبو داود (٢٠٧٢) (٢/ ٢٢٦).
(٢) أخرجه مسلم (١٤٠٥) (٢/ ١٠٢٣).
(٣) "تفسير الطبري" (٦/ ٥٩١)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٦٤٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٢٠).