بينَ الزوجَيْنِ في بيتِهما، والخِطابُ في قولِه تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} هو للزوجَيْنِ وللسُّلطانِ؛ وحكى ابنُ جريرٍ الإجماعَ أنَّه ليس لغيرِهم؛ وإنَّما الخِلافُ عندَه في الآيةِ في المخاطَبِ بها: هل هو السُّلْطانُ، أو الزوجان، أو هما جميعًا؟ (١)، ولا أعلَمُ في تعيينِ المُخاطَبِ ببعثِ الحَكَمَيْنِ في السُّنَّةِ شيئًا.
وقال سعيدُ بنُ جُبيرٍ: "هو السُّلْطانُ" (٢).
وقال السُّدِّيُّ: "الخِطابُ للزوجَيْنِ" (٣).
وكلُّ ذلك صحيحٌ؛ فلكلِّ واحدٍ مِن أولئك طلَبُ الحَكَمَيْنِ وبعثُهما، والسُّلْطانُ أظهَرُ وأقْوَى بالإلزامِ بقضاءِ الحَكَمَيْنِ وإمضائِه.
ويصحُّ توجيهُ الخِطاب إلى أهلِ الزوجَيْنِ إنْ كانوا أوصياءَ على الزوجَيْنِ لضَعْفِ الأهليَّة، أو أنابَهُما الزوجان، أو رأَوْا تمرُّدًا مِن الزوجَيْنِ وعِصيانًا لا يَصلُحُ إلَّا بانتداب الأهلَينِ لِيَبْعَثُوا حَكَمَيْنِ.
فالأوْلى ألَّا يَمْضِيَ حُكْمُ الحَكَمَيْنِ مِن الأهلِ إلا بإمضاءِ السُّلْطانِ له؛ لأنَّ الخِطابَ في الآيةِ في قولِه: {فَابْعَثُوا} للسُّلْطانِ وللزوجَيْن، ودخولُ الأهلِ فيه ظنٌّ قال به بعضُ الفقهاءِ؛ لكنْ إنْ لم يكنْ ثَمَّةَ سُلْطانٌ في الأرضِ التي هم فيها، مَضَى حُكْمُ الحَكمَيْنِ مِن الأهلَينِ؛ لأنَّهما يقومانِ مقامَه، ولا تصلُحُ الحالُ ويزولُ الشِّقاقُ إلا بذلك.
رضا الزوجَيْنِ بحكمِ الحَكَمَيْنِ:
وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى عدمِ لزومِ رِضا الزوجَيْنِ بالحَكَمَيْن لمَن قال بأنَّ الخِطابَ للسُّلْطان، أو مَن قال مِن المتأخِّرينَ: إنَّ الخِطابَ لأهلِ الزوجَيْنِ؛ لأنَّه لو كان المُخاطَبُ بالبعثِ غيرَ الزوجَيْن، فلا حاجةَ إلى
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٧٢٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٧١٦).
(٣) "تفسير الطبري" (٦/ ٧١٧).