الرَّحِمِ ومساكينُهم؛ فلهم حقُّ القَرابةِ وحقُّ اليُتْيمِ والمَسْكَنَةِ؛ لأنَّ القريبَ أعلَمُ الناسِ بحاجةِ قريبِه، وأكثَرُ اطِّلاعًا عليها؛ فالحقُّ منه أوجَبُ، وحقُّ الرحِمِ منه آكَدُ.
حقُّ الجيرانِ وأنواعُهُمْ:
وقولُه: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ}:
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} الذي جَمَعَ مع قُرْبِهِ مكانًا: قُربَهُ نَسَبًا ورحمًا؛ فله حقُّ القَرابةِ وحقُّ الجوارِ.
وهذا المعنى عليه أكثرُ المفسِّرينَ مِن السلفِ؛ وهو قولُ ابنِ عبَّاسٍ وعِكْرِمةَ ومجاهدٍ وزيدِ بنِ أسلَمَ (١).
ورُوِيَ عن عليٍّ وابنِ مسعودٍ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ: أنَّه الزوجةُ (٢).
وقيل: هو كلُّ جارٍ مسلمٍ؛ فله حقُّ الجوارِ وحقُّ الإسلامِ.
وفي هذا القولِ نظرٌ، والأولُ أَشْبَهُ.
والجارُ ذو القُربى ولو كان بعيدَ المنزلِ أحَقُّ مِن الجارِ المُلاصِقِ؛ كالأخِ والأختِ والعم والخالِ؛ لأنَّ حَقَّ الرحِمِ أعظَمُ مِن حقِّ الجارِ في النصوصِ، والنصوصُ في الأمرِ بصِلَتِها والنهي عن ضدِّها أكثَرُ وأوفَرُ، والوعيدُ في قطيعةِ الأرحامِ أعظَمُ مِن قطيعةِ الجَارِ وأذيَّتِه، وكُلٌّ إثمٌ.
ويَعضُدُ ذلك: أنَّ حقَّ الرَّحِمِ دائمٌ لا ينقطعُ بالبُعْد، وحقَّ الجارِ عارِضٌ ينقطعُ بالافتِراقِ والبُعْدِ؛ فالحقُّ الدائمُ أعظَمُ مِن العارضِ.
فالرحِم يُوصَلُ ولو كان بعيدًا.
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} هو الجار المُسلِمُ الذي لا قَرابةَ له، رُوِيَ هذا
(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٦ - ٧)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٧٠٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٤٨).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٤٨).