بالإحسانِ إليه، ويدخُلُ في حُكْمِهِ الأسيرُ ولو كان بينَ أهلِهِ إذا حِيلَ بينَهُ وبينَ مالِهِ بحبسِ السلطانِ الظالمِ له وقَطْعِ رِزْقِهِ عنه ولو كان غنيًّا، فهو مِن أهلِ الزكاةِ.
والآيةُ في غيرِ الزكاةِ؛ فتُحمَلُ على عمومِ الإحسانِ إلى الغريبِ ولو كان معه مائة وزاده، ولا تُخصَّصُ بالنفقةِ والزكاة، فيُحسَنُ إلى الغريبِ عن بَلَدِه؛ فتُؤنَسُ وَحْشَتُهُ ويُدخَلُ السرورُ عليه بإكرامِهِ والبشاشةِ في وجهِه، ودَلالتِه على الطريقِ وهدايِتهِ السبيلَ، وقضاءِ حاجتِه؛ فمَن ظَنَّ أنَّ ابنَ السبيلِ يستحقُّ الزكاةَ وحدَها في كتابِ الله، فقد أخطَأ؛ فله أوسَعُ مِن ذلك في الحقِّ.
الجارُ مقدَّمٌ على الصديق:
والجارُ أحَقُّ مِن الصاحِبِ والرفيق؛ لأنَّ قُربَهُ أَدْوَمُ مِن غيره؛ فهو صاحبٌ وجارٌ، فيُصاحِبُ جارَهُ في مسجدِهِ ومجلسِهِ ووليمتِهِ وحاجتِهِ وحمايةِ بيتِهِ وحِفْظِ عورتهِ وأهلِه، وأمَّا الصاحبُ فصاحبٌ فقطْ.
ثمَّ إنَّ النصوصَ في الأمرِ بحقِّ الجارِ أكثَرُ مِن حقِّ الصاحب، والنهيُ عن أذيَّةِ الجارِ أعظَمُ مِن أذيَّةِ الصاحب.
ويعضُدُ أنَّ الجارَ أحَقُّ: أنَّ حقَّه يتعدَّى إلى أهلِهِ ومَحارِمِهِ ومَن يَرِدُ إليه؛ فالزِّنى بمَحارِمِ الجارِ والاطِّلاعُ إلى عورتِه التي عندَه في الدارِ أو الواردةِ إليه أعظَمُ مِن عورةِ الصاحِبِ وأهلِهِ في النصوصِ، وفي "الصحيحَينِ"؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قيل له: أيُّ الذَّنبِ أَعْظَمُ؟ فقال: (أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ... ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) (١)؛
فالنصوصُ في الإحسانِ إلى الجارِ والنهيِ عن أذيَّتِه أكَثَرُ وأعظَمُ مِن الصاحِبِ.
(١) أخرجه البخاري (٤٤٧٧) (٦/ ١٨)، ومسلم (٨٦) (١/ ٩٠).