وفي كلامِ بعضِ الفُقَهاءِ تداخُلٌ في بعضِ صُورِ ما يَلزَمُ السكرانَ، بخلافِ ما كان بين العلماءِ القائِلينَ بلزومِ كلِّ شيءِ وبينَ القائلينَ بعدمِ لزومِ أيِّ شيءٍ.
وهذانِ القولانِ أقَلُّ الأقوالِ حظًّا مِن الأدلةِ ومقاصِدِ الشريعةِ.
وللشافعيَّةِ تفصيلٌ يُعَدُّ قولًا رابعًا. وهو أنَّهم يُفرِّقونَ بينَ السَّكْرانِ بمُباحٍ كالبَنجِ المُخَدِّرِ للعلاجِ وكحالةِ المُكرَهِ، وبينَ السَّكْرانِ بمحرَّمٍ؛ فالأوَّلُ: لا يُؤخَذُ بقولِهِ ولا يَلزَمُهُ منه شيءٌ، والثاني: يُؤخَذُ بقولِهِ وتَلزَمُهُ لوازمُه؛ مِن بيعٍ وزواجٍ وطلاقٍ وعَتَاقٍ.
وللفقهاءِ كلامٌ كثيرٌ وتفصيلٌ واستثناءٌ في مسألةِ ما يَلزَمُ السَّكرانَ وما لا يَلزَمُهُ، ومَن تتبَّعَ أقوالَ السلفِ، وجَدَ أنَّ بعضَ الاستثناءِ عندَ الفقهاءِ لا يحتاجُ إلى بحثٍ ونظرِ؛ لتَوَاتُرِ الأدلةِ على عدمِ مؤاخَذتِهِ به؛ فإنَّ السلفَ لا يَختلِفونَ في أنَّ ألفاظَ الرِّدَّةِ لا تَلزَمُ السَّكْران، وأنَّ مَن سَكِرَ مُكرَهًا أو مُخطِئًا، أو فقَدَ عَقْلَهُ ببَنْجٍ لا يُسكِرُ: أنَّه لا يُؤاخَذُ بشيءٍ مِن أقوالِه، سواءٌ بعَتَاقٍ أو طلاقٍ أو نِكاحٍ أو بيعٍ أو قَوَدٍ؛ لأنَّه في حُكْمِ المجنونِ المَطْبُوعِ على الجُنُونِ، ولا حاجةَ لاستثناءِ هذه الصُّوَرِ؛ للإجماعِ عليها عندَ السلفِ.
وقد صَحَّ عن عثمانَ بنِ عفَّانَ: عدمُ إلزامِ السَّكْرانِ بالطلاق، مِن غيرِ تفريقٍ بينَ أسبابِ سُكْرِه؛ لارتفاعِ التكليفِ عنه ولو كان مختارًا لذلك السببِ.
قربُ السَّكْرانِ للصلاةِ:
وفي المرادِ مِن قُرْبِ الصلاةِ في قوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} خلافٌ عندَ المفسِّرينَ مِن السلفِ في قوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ}:
فمنهم: مَن جعَلَ المرادَ بالقُرْبِ: قَصْدَ الصلاةِ ودخولَها، لا دخولَ