يَقْوَى على التيمُّمِ وَيعجِزُ عن الوضوءِ إلَّا بوَلَدِهِ أو زوجِهِ أو خادمِهِ، ولو وضَّأهُ غيرُهُ، صحَّ بلا خلافٍ، لكنه لا يجبُ؛ لأنَّ الخِطابَ تَوَجَّهَ إليه لا إلى غيرِه؛ كما في قولِه تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} المائدة: ٦، وفي الصلاةِ قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا) (١).
ولو وجَبَ عليه الوضوءُ عندَ عجزِهِ مع قُدْرتهِ بغيرِه، لانصرَفَ الأمرُ إلى غيرِه بإعانتِه، ولَحِقَهُ الإثم بتقصيرِه.
والقدرةُ الخاصَّةُ في استعمالِ الماءِ شرطٌ في وجوبِه، بخلافِ القدرةِ الخاصَّةِ في جلبِ الماءِ واستخراجِه؛ ليستْ شرطًا في الوجوبِ؛ فمَن عجَزَ بنفسِهِ عن إخراجِ الماءِ مِن البئرِ إلَّا بإعانةِ خادمِه، وجَبَ عليه استخراجُهُ ما دام قادرًا على استعمالِهِ بنفسِه؛ لأنَّ الوحيَ نزَلَ ولا يستقِلُّ كلُّ واحدٍ مِن الناسِ بنفسِهِ في استخراجِ الماءِ وجلبِهِ، فجاء الأمرُ بالوضوءِ مِن غيرِ تقييدٍ؛ فدَلَّ على وجوبِهِ على كلِّ قادرٍ على إخراجِهِ وجلبِهِ بنفسِهِ أو بغيرِه، وجاء الاستثناءُ في الوحي على العاجزِ بمرضٍ، والعادمِ للماءِ لسفرٍ ونحوِه، وهذا معنًى يتعلَّقُ بالنفسِ لا يتعدَّاها.
تقديمُ المَرَضِ على السَّفَرِ:
وإنَّما ذكَرَ الله المرضَ قبلَ السفرِ؛ لأنَّ المرضَ أكثَرُ وقوعًا في الناسِ، خاصَّةً في أزمنةِ مشقَّةِ الأسفار، ولأنَّ المرضَ عذرٌ يَنْزِلُ بلا اختبارٍ ولا سببٍ مِن المريضِ؛ بخلافِ السفرِ فيختارُهُ المسافِرُ.
الوضوء مِن الخارجِ من السبيلَيْنِ:
والمراد بقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}؛ يعني: مكانَ قضاءِ الحاجةِ، وفيه كنايةٌ عن الخارج مِن السَّبِيلَيْن، وجَرَى الحُكْمُ في
(١) أخرجه البخاري (١١١٧) (٢/ ٤٨).