لا يَختلِفون في التيمُّم، ولا في المسحِ للوجهِ واليدَين، ولا في أن المرادَ: المسحُ، لا الدَّلْكُ والفَركُ؛ ولكن يختلِفونَ في العَدَد، والترتيب، ومقدارِ ما يمَسحُلا مِن العضوَين، ونوعِ الصعيدِ المقصودِ في الآيةِ.
وجمهور العلماءِ: على أن المسحَ يكون للوجهِ والكفينِ فقط؛ خلافًا للشافعيِّ في الجديدِ؛ فقد قال بمسحِ اليدَينِ إلى المرفقَين، ولا تصح الأحاديثُ الدالةُ على مسحِ غيرِ الكفين، وعلى هذا ظاهِر القرآن؛ فإن اللهَ قال: {وَأَيْدِيَكُمْ} المائدة: ٦، واليدُ إذا أطلِقَت في القرآنِ فالمرادُ بها الكَفُّ؛ ولهذا أَطلَقَها اللهُ في آيةِ السرِقَةِ: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} المائدة: ٣٨، ولَما أرادَ الله سبحانَه تجاوُزَ الكَف في الوضوءِ قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} المائدة: ٦؛ ولهذا استدَلَّ أحمد.
وقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا}: الصعيدُ: ما على الأرضِ مِن الترابِ:
فمنهم مَن جعَلَهُ في الترابِ الخالصِ الذي له غبار؛ كالشافعي وأحمدَ؛ وذلك لظاهِرِ الآية، ولقولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: (جُعِلَت لَنَا الأَرْضُ كُلهَا مَسْجِدًا، وَجُعلَت تربتهَا لنَا طَهُورًا)؛ رواهُ مسلم عن حُذَيفَةَ (١)؛ فإنه جعَلَ الصلاةَ في الأرض كلها، وخَصَّ التيممَ بالترابِ منها.
ومِن الفُقَهاءِ: مَن جعَلَ التيممَ بكلِّ ما صَعدَ مِن الأرضِ مِن أجزائِها؛ وهو قول أبي حنيفةَ ومالكٍ، وأجاز مالك التيممَ بالحشيش والحِجارةِ والخشبِ والملحِ.
ورُوِيَ عن حماد؛ قال: "كلُّ شيءٍ وضَعتَ عليه يَدَكَ، فهو صعيدٌ، حتى غبارُ يَدِك، فتيمم به" (٢).
ثم ذكر الله اسمَينِ مِن أسمائِه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا}؛ تنبيهًا
(١) أخرجه مسلم (٥٢٢) (١/ ٣٧١).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٦٢).