والأسبابُ الكونية التي أمَرَ اللهُ بها كثيرةٌ:
منها: الاجتماعُ؛ فإن الكثرةَ تُرهِبُ العدوَّ، وتشُدُّ مِن عزائمِ أهلِها؛ وهذا أمرٌ فِطريٌّ مؤثِّرٌ في كلِّ نفسٍ مدركةٍ ولو كانت حيوانًا؛ ففي "السُّننِ"؛ مِن حديثِ أبي الدَّردَاءِ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (عَلَيْكُم بِالجَمَاعَةِ؛ فَإنَّمَا يأكُلُ الذئْبُ القَاصيَةَ) (١)؛ ولذا أمَرَ اللهُ بهذا السبب؛ فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: ١٠٣، وبيَّنَ أن الفُرقةَ سببٌ للهزيمةِ؛ فقال: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} الأنفال: ٤٦، فقِلَّةٌ مجتمعةٌ أقرَبُ إلى النصرِ مِن كثرةٍ متفرِّقةٍ.
ومنها: التريُّثُ وعدمُ العَجَلَةِ؛ فإن العجلَةَ تُنافي الصبرَ، فلا ينتصر أحدٌ إلَّا بصبرٍ؛ وقد قال اللهُ عن الأنبياءِ: {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} الأنعام: ٣٤، وقال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} فصلت: ٣٥، وقال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} آل عمران: ١٢٠.
وكثيرًا ما تُستعجَلُ النتائجُ بلا صبرٍ، فيُحرَمُ النَّاسُ النصرَ؛ فالصابرُ ولو كان على باطلٍ أقرَبُ إلى النصرِ مِن المُستعجِلِ ولو كان على حقٍّ، وربَّما يُهزَمُ الصادقُ بسببِ عَجَلتَه، وينتصِرُ الكاذبُ لصبرِه، فيشكُّ الصادق في طريقِه، وسببُ الهزيمةِ العجَلَةُ لا الحق الذي معه.
أثرُ طلبِ النصر بلا صبرٍ:
فإن المُستعجِلَ في طلبِ النصرِ بلا صبرٍ، لا بدّ أن يبتلى بإحدى ثلاثٍ:
- إمَّا أن يَستبطئَ النصرَ؛ فيَنقطِعَ ويترُكَ السيرَ وينعزِلَ، وَيرَى أن الركونَ والعُزْلةَ بما معه مِن حقٍّ خيرٌ مِن سَيْرِهِ في طريقٍ لا نهايةَ له؛ وهذا أحسَنُهم حالًا.
(١) أخرجه أبو داود (٥٤٧) (١/ ١٥٠)، والنسائي (٨٤٧) (٢/ ١٠٦).