التحذيرُ من إشاعةِ الأخبارِ:
وإنَّما نَهَى اللهُ عن إذاعةِ الأخبارِ قبلَ عَرْضِها على أهلِ المعرِفةِ بها؛ لأنَّ الأخبارَ المُرسَلةَ يَعْتَرِيها الكذبُ والإرجافُ؛ فقد تكونُ حقًّا ولا يجوزُ إذاعتُها؛ لأنَّ فيها هتكًا لذنبٍ مستورٍ وعورةٍ مُغطَّاةٍ، وقد يكونُ في إظهارِها إرجافٌ وتثبيطٌ للمؤمِنِين؛ فأهلُ المعرفةِ يَستَوْثِقونَ مِن الأخبار، وَيَعرِفونَ صحيحَها مِن ضعيفِها والصالحَ منها للإذاعة وغيرَ الصالِحِ؛ ولذا قال اللهُ: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
قال مجاهدُ بنُ جَبْرٍ: قولُهم: ماذا كان؟ وما سمعتُم؟ يعني: أنَّ العالمَ يَستخبِرُ ويستفهِمُ ليستوثِقَ مِن صحةِ الأخبارِ؛ رواهُ ابنُ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ؛ أخرَجَهُ ابن جريرٍ، وابنُ أبي حاتم (١).
وبمعناهُ قال أبو العاليةِ وقتادةُ والسُّدِّيُّ (٢).
ومِن معاني الاستنباطِ: الاستخراجُ؛ كاستخراجِ الماءِ بالدَّلْوِ مِن البئر، وبنحوِه قال أبو عُبَيْدَةَ (٣).
وقولُه تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ}؛ يعني: لولا ما تفضَّلَ اللهُ به عليكم مِن وَحْيٍ وبصيرةٍ، لَسَلَكَتْ بكم نفوسُكُمْ سبيلَ الشيطان، وفي هذا: أنَّ العلماءَ رحمةٌ للأُمَّة، وهم أعظَمُ أعداءِ الشيطان، وأشَدُّ العَثَرَاتِ في الطريقِ إليه.
فضلُ علمِ الرجالِ وأخبارِهِمْ:
وفي هذا: أنَّ عِلْمَ فحصِ الأخبارِ والتوثُّقِ منها ومعرفةِ الرِّجالِ
(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٢٥٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠١٦).
(٢) المرجعان السابقان.
(٣) ينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى (١/ ١٣٤)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٨٠٧).