وفي هذه الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ المُنافِقَ همُّهُ سلامةُ نفسِهِ ومالِهِ وأهلِه، ولا يَعْنِيهِ مِن الأخبارِ ما يُضِرُّ بالأُمَّةِ ويُفسِدُها؛ فإنَّ الآيةَ في سياقِ الأخبارِ المتعلِّقةِ بمصالِحِ الأُمَّةِ ومَضَارِّها، فمِن علامةِ المؤمنِ: اهتمامُهُ بأمرِ أمَّتِهِ ولو تضرَّرَ في نفسِه لأجلِها، ومِن علامةِ المنافِقِ: اهتمامُهُ بأمرِ نفسِهِ ولو تضرَّرَتْ أُمَّتُهُ لأجلِها.
والخطابُ في هذه الآيةِ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} لأهلِ الإيمانِ كما هو ظاهرٌ؛ قال ابنُ عبَّاسٍ: "فانقطَعَ الكلامُ؛ فهو في أولِ الآيةِ يُخبِرُ عن المُنافِقينَ"؛ رواهُ عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ (١).
وقولُه: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}؛ يعني بالقليلِ: أهلَ الإيمانِ؛ كما رواهُ عليٌّ، عن ابنِ عبَّاسٍ (٢).
* * *
* قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} النساء: ٨٤.
والخِطَابُ في ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فالإنسانُ مرهونٌ بعملِه مكلَّفٌ به، وهذا إنْ كان للنبيِّ فهو لغيرِه مِن بابِ أَوْلى: {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}.
وقِولُه: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ يعني: عِظْهُم وحُضَّهُم على اتِّباعِ أمرِ اللهِ واجتنابِ نَهْيِه.
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠١٧).
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٢٦٣)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٨٠٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠١٧).