الصلاةُ على الراحلة:
وخصَّ مالكٌ الصلاةَ على الراحلةِ في النافلةِ بالسفرِ الذي تُقصَرُ فيه الصلاةُ؛ فقال: لا يُصلِّي أحدٌ في غيرِ سفرٍ تُقصَرُ في مِثلِه الصلاةُ على دابَّتِه للقِبْلةِ، ولا يسجُدُ عليها سجدةَ تلاوةٍ للقِبْلةِ ولا لغيرِ القِبْلةِ (١).
والجمهورُ على العموم والجوازِ في كلِّ سفرٍ؛ وهو الصوابُ؛ وهذا مذهبُ أحمدَ، ونصُّه عليه (٢).
وتقييدُ مالكُ فيه نظرٌ، ولم يُوافِقْه كبيرُ أحدٍ، قال الطبريُّ: لا أعلمُ أحدًا وافَقَهُ على ذلك.
وذهَبَ أبو يوسفَ، وأبو سعيدٍ الإصْطَخْريُّ (٣)، وابنُ سُرَيجٍ، والطحاويُّ: إلى أنَّ الصلاةَ على الراحلةِ تجوزُ حتى في الحَضَرِ.
ولم يَثْبُتْ هذا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ وإنَّما استفاضَ هذا عنه في النافلةِ في السفرِ خَاصةً.
وما يُحكَى عن أنسٍ: أنَّه كان يصلِّي على الراحلةِ النافلةَ في الحضرِ، فليس له أصلٌ يُعتمَدُ عليه.
ثالثُها: أنَّ المرادَ بذلك استقبالُ القِبلةِ؛ فقولُه: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} مِن جهةٍ: شرقًا أو غربًا، أو شمالًا أو جنوبًا، فعليكم الاستقبالَ للقِبْلَةِ وإنِ اختلَفَتِ الجهاتُ، واستدارَتْ بكم الأرضُ، فثَمَّ وجهُ اللهِ إلى القِبْلَةِ، وإنْ كان منكم مشرِّقٌ وآخَرُ مغرِّبٌ.
(١) ينظر: "المدونة" (١/ ١٧٤).
(٢) ينظر: "المبسوط" للشيباني (١/ ٢٩٥)، و"البيان" للعمراني (٢/ ١٥١)، و"المجموع" (٣/ ٢٣٣)، و"المغني" (١/ ٣١٥).
(٣) ينظر: "تحفة الفقهاء" (١/ ١٥٥)، و"تبيين الحقائق" (١/ ١٧٧)، و"الحاوي" (٢/ ٧٧).