وفي الشفاعةِ: إعانةٌ لمَن قَصُرَتْ أسبابُه عن الوصولِ إلى مرادِه، وفي ذلك أجرٌ؛ وفي "الصحيحَيْنِ"؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ)؛ أخرَجَاهُ مِن حديثِ أبي موسى (١).
وهو المرادُ بقولِهِ تعالى: {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}.
والشفاعةُ تكونُ في الخيرِ وفي الشرِّ، والمرادُ بالكِفْلِ: (الحَظُّ)، وحظُّه في شفاعةِ الحرامِ: (الإثمُ).
ويُؤجَرُ الشافعُ في الخيرِ ببذلِ الشفاعةِ ولو لم يتحقَّقْ خيرٌ أو يُدفَعْ شرٌّ، ويَأْثَمُ الشافعُ في الشرِّ ولو لم يتحقَّقْ شرٌّ أو يُدفَعْ خيرٌ؛ لأنَّ الشفاعةَ عملٌ يُحاسَبُ الإنسانُ على بَذْلِه، ثمَّ يكونُ الأجرُ والوِزْرُ بمقدارِ ما يجعَلُهُ اللهُ مِن آثارِ عَمَلِه.
الشفاعةُ الحسنةُ:
والشفاعةُ الحسنةُ: هي التي يُجلَبُ بها الحقُّ، ويُرفَعُ بها الظُّلْمُ، ويجبُ على الشافعِ أنْ يُبصِرَ فيما يَشفَعُ وما يَرفَعُ وما يَضَعُ؛ حتى لا يَرفَعَ شرًّا عن أحدٍ فيُوضَعَ على غيرِهِ ممَّن لا يستحقُّهُ، وَيجلِبَ خيرًا لأحدٍ بأخذِه ممَّن يستحقُّه، فلا يجوزُ له إنْ تضرَّرَ أحدٌ بشفاعتِهِ أنْ يَشفَعَ.
أخذُ الأجرِ على الشَّفَاعَةِ:
والشفاعةُ زكاةُ الجَاهِ؛ كما أنَّ زكاةَ المالِ النفقةُ، ويبذُلُ الشفاعةَ صاحبُ الجاهِ ولو كان قليلًا، سواءٌ كان جاهُهُ لسُلْطانِهِ أو عِلْمِهِ أو حَسَبِهِ أو نَسَبِه، ولا يجوزُ أخذُ أجرةٍ على الشفاعةِ؛ لأنَّ الشفاعةَ أخذُ حقِّ يستحقُّهُ صاحبُهُ، أو رفعُ ظلمٍ يجبُ أنْ يُرفَعَ عنه، وأخذُ المالِ على ذلك تعطيلٌ للحقوقِ ألَّا تتحصَّلَ إلَّا بدفعِ المالِ لذوي الجاه، وألَّا تُرفَعَ
(١) أخرجه البخاري (٦٠٢٦) (٨/ ١٢)، ومسلم (٢٦٢٧) (٤/ ٢٠٢٦).