لا تَرُدُّوا عليه قولَه" (١).
وكلُّ ما يدلُّ على الإسلام يأخُذُ حُكم الشهادتَين لمَن جَهِلَ الشهادتَينِ أو غلب على الظنِّ نسيانهُ لها، وإذا نطَقَ الكافرُ الشهادتَين، أو قال: أنا مسلِمٌ، بعدَ أسرِهِ والتمكنِ منه، فلا عِبرةَ بها، فيكونُ حُكمُهُ حُكمَ أسرَى الكافِرِينَ في الرِّق والفِدَاءِ.
وذلك لما في "صحيحِ مسلمٍ"؛ منِ حديثِ عِمرانَ بنِ حُصينٍ؛ قال: "كَانَت ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيلٍ، فَأسَرَت ثَقِيفٌ رَجُلَينِ مِن أصحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأسَرَ أصحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ بنَي عقيلٍ، وَأصَابُوا مَعَهُ العَضبَاءَ، فَأتَى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الوَثَاق، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَأتَاهُ، فَقَالَ: (مَا شَأنكَ؟ ! )، فَقَالَ: بِمَ أَخَذتَنِي، وَبِمَ أخَذتَ سَابِقَةَ الحَاجِّ؟ ! فَقَالَ إِعظَامًا لِذَلِكَ: (أخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ)، ثم انصَرَفَ عَنه، فَنادَاهُ، فَقَالَ: يا محَمَّد، يَا مُحَمَدُ! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَحِيمًا رَقِيقًا، فَرَجعَ إليه، فَقَالَ: (مَا شَأنكَ؟ ! )، قَالَ: إِني مُسلِمٌ! قَالَ: (لَو قُلْتَهَا وَأَنتَ تملِكُ أمرَكَ، أفلَحتَ كُل الفَلَاحِ) (٢).
ففرَّقَ بينَ قولِه: "أنا مسلِمٌ" قبل أَسْرِهِ وبعده.
الفرقُ بين قتالِ الكافر، والمفسدِ في الأرضِ:
وإنما يُعتبَرُ في نُطْقِ الشهادتَينِ مَن قُوتِلَ لأَجلِ كُفرِه، فعرِضَ عليه الإسلام فأبَاهُ، ويجبُ أن يُفرَّقَ بين مَن يُقاتَلُ لأجلِ كفرِهِ ورفضِهِ للإسلام، وبينَ منَ يُقاتَلُ لأجلِ فساده في الأرضِ وقطعِهِ للسبيل، وانتهاكِهِ للأعراضِ:
فالأوَّل: تنفَعُهُ الشهادتانِ؛ لأنه قُوتِلَ لِيَقولَها؛ لقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - في
(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٦١)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٤٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٦٤١) (٣/ ١٢٦٢).