أسلَمتُ (١)؛ ولهذا فخالد بن الوليدِ قتَلَ مَن قالَها؛ لعلِمِهِ أنَّها لا تُقالُ مدحًا، ولا يُرادُ بها الخروجُ مِن الباطلِ إلى الحقِّ؛ وإنَّما عَكسُه، ولكنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - آخَذَهُ عليها؛ لأنَّهم لا يُحسِنونَ تعبيرًا عن تَركِ دينِهم إلا إيَّاها، فأرجَعُوها إلى أصلِها؛ مِن تَركِ دينٍ إلى دينٍ.
ونطقُ اليهوديِّ والنصراني لكلمةِ يتديَّن بمعناها: لا يدُلُّ على إسلامِهِ وتدينه بالحنيفيَّةِ؛ كقولِه: نحن مؤمِنونَ؛ فهم يُسمُّونَ أنفسَهم بذلك، فمَن قالَها لا تَعصِمهُ.
والمرادُ بعرضِ الدنيا في الآيةِ: الغَنِيمَة، فلا يَقبَلُ إسلامَ الكافر؛ لِيُحِلَّ ما معَه مِن الغنيمة، وهذا لا يكونُ إلا في قلبِ مَن ضعُفَت مغانمُ الآخِرةِ مِن قلبهِ حالَ فِعلِهِ أو غابَتْ؛ لهذا ذكَّرَ اللهُ بها في قوله: {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}.
تذكُّرُ الضلالةِ قبلَ الهدايةِ:
وفي قوله: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}؛ روى
البخاري معلقًا في "صحيحِه"، عن سعيدٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: قال رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - للمِقدَادِ: (إِذَا كَانَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ يُخفِي إِيمانَهُ مَعَ قَومٍ كفَّارٍ، فَأَظهَرَ إيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ، فكذَلِكَ كُنتَ أنتَ تُخفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِن قبل) (٢).
وفي هذا: أنَّه ينبعي أنْ يذكُرَ المؤمن حالَهُ قبلَ هداية، وفَضْلَ اللهِ عليه، وإنْ وُلدَ مهتدِيًا يَجعَلُ مِن نفسِهِ مكاانَ عدوِّه؛ ليدرِكَ شيئًا مِن حالِ عدوِّه، فيَعذِرَه عندَ قيامِ عُذْرِه، وقد كان بعضُ الصحابةِ يَستخفِي بإيمانِهِ خوفًا مِن قومِه؛ فربَّما كان الرجلُ الذي أبْدَى إسلامَهُ عندَ القتالِ خرَجَ مُكرَهًا؛ قال سعيدُ بنُ جُبيرٍ في قوله تعالى: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ}؛
(١) أخرجه ابن حبان (٦٨٧٩) (١٥/ ٣٠٢).
(٢) أخرجه البخارى (٦٨٦٦) (٩/ ٣).