أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} الصافات: ١٠٢؛ لشدةِ الأمرِ وثقَلِهِ على ابِنه، أرادَ بأخذِ رأيِهِ عليه أن تَطيب نفسهُ به، فيكونَ أظهَرَ في الاتباعِ والاحتِسابِ وأقوَى للصبر، والصحابةُ يَعلَمونَ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرِيدُ قتالَ قريشٍ؛ لهذا قام أبو بكرٍ وعُمَرُ والمِقدادُ بنُ عمرٍو، وقام سعدٌ، فأيَّدُوهُ على إقدامِه.
أهلُ الأعذارِ بتركِ الجهادِ:
والمراد بأُولي الضَّرَرِ في الآية: عبدُ اللهِ بن أم مَكتُوم، ومَن في حُكْمِه؛ فإنَّما نزلَت فيه؛ قال الَبرَاءُ بنُ عازبٍ: "لمَّا نزلَت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، كلَّمَهُ ابنُ أمِّ مكتومٍ وكان أَعمَى، فنزلَت {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}؛ رواهُ البخاريُّ، عنِ البَراءِ وزَيدِ بنِ ثابتٍ (١).
والضِّرَر في الآية وإن نزَلَ خاصًّا بلفظِه، فهو عامٌّ في حُكمِه؛ ولذا قال ابنُ عبَّاسٍ: "أُولي الضَّررِ: أهلُ العُذرِ" (٢).
أجرُ القاعِدِ المعذورِ:
وقدِ اختلِفَ في إدراكِ القاعدِ المعذورِ لفَضْلِ المجاهِدِ:
فمِنَ السَّلَفِ: مَنِ استَثنَى المعذورَ مِنَ التفاضُلِ في الآية، وحمَلَ ما بعدَ الاستثناءِ للمعذورِ مِن فضلٍ على الاستثناءِ السابق، فجَرَّهُ عليه كلِّه؛ ويعضُدُ ذلك: ما في "الصحيح"؛ مِن حديثِ حُمَيدٍ، عن أنسٍ؛ أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: (إِنَّ بِالمَدينَةِ أقوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعتُمْ وَادِيًا، إِلا كَانُوا مَعَكُم)، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَهُمْ بالمَدِينَةِ؟ ! قَالَ: (وَهُمْ بِالمَدِينةِ؛ حبسَهُمُ العُذر) (٣).
ومِنَ السلَفِ: مَن جعلَ الضرَرَ في الآيةِ لرَفعِ الإثم والحرَجِ، وأمَّا
(١) أخرجه البخاري (٢٨٣١) و (٣٨٣٢) (٤/ ٢٤، ٢٥)، ومسلم (١٨٩٨) (٣/ ١٥٠٨).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٤٣).
(٣) أخرجه البخاري (٤٤٢٣) (٦/ ٨).