أرضِهم؛ لأنَّها للمُسلِمِينَ لا لهم، وهذا يختلِفُ عن بلدٍ أهلُها كفارٌ، ويَملِكونَها، ويُظهِرونَ فيها ما يشاؤونَ مِن دينِهم ودُنياهم.
وبعضُ العلماءِ يجعلُ في البُلْدانِ قِسْمًا ثالثًا، وهي بُلْدانٌ لا تأخُذُ أحكامَ دارِ الحرب ولا دارِ الإِسلامِ؛ وذلكَ لاختلافِ حالِ الظُّهُورِ والتمكُّنِ والكثرةِ فَيها؛ كما أفتَى ابنُ تيميَّةَ في (ماردينَ)، فقَدْ جعَلَها مركَّبةً فيها المعنَيان، فلم يجعَلْها بمنزلةِ دارِ السِّلْمِ التي تَجري عليها أحكامُ الإِسلام، ولا بمنزلةِ دارِ الحربِ الي أهلُها كفَّارٌ، بل جعَلَها قسمًا ثالثًا متوسطًا.
والبلدانُ لا دوامَ لحالِها، فقد تتحوَّل كما يتحوَّلُ الإنسانُ مِنَ الإسلامِ إلى الكفر، ومِنَ الكفرِ إلى الإسلام، ومِنَ الطاعةِ إلى الفِسق، ومِنَ الفسقِ إِلى الطاعةِ.
الهجرة إلى بلدِ الكُفرِ المسالِمِ:
وقد يُهاجِرُ المسلِمُ مِن بلدِ كفرِ مُحارِبٍ إلى بلدِ كفرٍ مُسالِمٍ عندَ العجزِ عنِ الوصولِ إلى بلدِ مسلِمٍ، ويُسمَّى مُهاجِرًا وفِعلُهُ هِجْرةً، وقد سمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَن هاجَرَ إلى الحبشةِ مُهاجِرًا، بل أمَرَهم بذلك، وقد قال قتادة في قولِ اللهِ تعالى في النَّحْلِ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ٤١؛ أنَّه فيمَن هاجَرَ إلى الحبَشةِ مِنَ الصحابةِ (١).
مُوجباتُ الهِجْرةِ:
وأَمَّا هِجْرةُ الصحابةِ مِن مَكَّةَ إلى الحَبَشة، فلِأَجْلِ إظهارِ الدِّين، لا لأجلِ الفَرْقِ بينَ الدَّارَيْن، فإنَّ الهجرةَ لها موجِبانِ:
* منها ما يتعلَّقُ بالعمَلِ وإظهارِ الدين.
* ومنها ما يتعلَّقُ بالبلدِ.
(١) "تفسير الطبري" (١٤/ ٢٢٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٧/ ٢٢٨٤).