وقال ابنُ مسعودٍ - فيما رواهُ الطبرانيُّ، وابنُ سَعْدٍ، وابنُ عساكرَ -: "كان إسلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وكانتْ هجرتُهُ نَصْرًا، وكانت إمارتُهُ رحمةً؛ لقد رأيتُنا وما نَستطيعُ أن نُصلِّيَ بالبيتِ حتَّى أسلَمَ عُمَرُ، فلمَّا أسلَمَ عمرُ، قاتَلَهم، حتَّى ترَكُونا فصَلَّيْنا"؛ رَواهُ القاسمُ بنُ عبدِ الرحمن، عنِ ابنِ مسعودٍ (١).
وإسلامُ عمرَ كان عند خروجِ مَن خرَجَ مِنَ الصحابةِ إلى الحبَشَة، كما ذكَرَ ابن إسحاقَ (٢).
وقد رجَعَ مهاجِرو الحبشةِ مِن هجرتِهِمُ الأُولى إلى مَكَّةَ في شوَّالٍ مِن عامِهم، فاشتَدَّ أمرُ قريشٍ وحُلفائِها عليهم وعلى مَن أسلَمَ مِن بعدِهم، حتَّى حُوصِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وبنو هاشمٍ في شِعْبِ أبي طالبٍ، فرجَعُوا هم وغيرُهم مُهاحِرينَ مرَّةً أُخْرى إلى الحبَشَة، وكانوا فوقَ الثمانِينَ رجُلًا وامرأةً، حتَّى تَبِعَتْهُم قُرَيشٌ برَسُولِها إلى النَّجَاشيِّ ليُعِدَهم ويَقطَعَ ذِمَّتَهُ وجِوارَهُ لهم، فامتَنَعَ مِن ذلك.
وقد روى أحمدُ، عنِ ابنِ مسعودٍ؛ قال: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانينَ رَجُلًا، فِيهِمْ عَبْد اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْد اللهِ بْنُ عُرْفُطَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو مُوسَى ... "؛ الحديثَ (٣).
سببُ عدمِ هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحَبَشةِ:
وإنَّما لم يُهاجِرِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معَهُمْ إلى الحبشةِ؛ لأنَّ اللهَ أخبَرَهُ بحِفظِهِ ونَصْرِه، وبه قيامُ الدِّينِ في أُمِّ القُرى وما حولَها وما بَعْدَ عنها، فلا ينوبُ
(١) "المعجم الكبير" للطبراني (٨٨٠٦) (٩/ ١٦٢)، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد (٣/ ٢٧٠)، و"تاريخ دمشق"، لابن عساكر (٤٤/ ٤٨).
(٢) "سيرة ابن هشام" (١/ ٣٤٢).
(٣) أخرجه أحمد (٤٤٠٠) (١/ ٤٦١).