وقوله تعالى، {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، يَعني؛ بتخفيفِ الرُّبَاعِيَّةِ إلى ركعتَيْن، لا قَصْرِ كلِّ الصلوات، فإنَّ الفجرَ والمغْرِبَ لا يُقْصَرَانِ بلا خلافٍ.
أنواعُ تخفيفِ الصلاةِ في السَّفَرِ:
وتخفيف الصلاةِ في السَّفرِ عَلَى نوعَيْنِ:
الأَوَّلُ: تخفيف الطُّول، فلا يُقرَأ بالطِّوَالِ مِنَ السُّورِ ولا بالأواسِطِ؛ وإنَّما بالقِصارِ في كلِّ الصَّلواتِ، وهكذا كان فِعْل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وخُلَفائِهِ وأصحابِه؛ صحَّ هذا عن عُمَرَ وابنِ عُمرَ وأنَسٍ، وحكاهُ النَّخَعيُّ عنهم جميعًا، كما رواهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ؛ قال: "كان أصحابُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقرَؤونَ فِي السَّفَرِ بالسُّورِ القِصارِ" (١).
وهو إن لم يَسمَعْ أحدًا مِنَ الصَّحابةِ إلَّا أنَّه صحَّ عن عمرَ أنَّه قرَأَ في سَفَرِهِ للحجِّ بالناسِ في الفَجْرِ بالفيلِ وقريشٍ، وقرَأ أيضًا فيها بالكافرونَ والإخلاصِ؛ رواهُ ابنُ أبي شيبةَ (٢).
وصلَّى أبو بكرِ بنُ أنَسِ بنِ مالكٍ بأبيهِ الفَجْرَ، فقرَأَ بتَبَارَكَ، فلمَّا انصرَفَ، قال له أنَسٌ: "طوَّلْتَ عَلينا"؛ رواة عبدُ الرزَّاقِ بسَنَدٍ صحيحٍ (٣).
ولا مُخالِفَ لهم مِنَ الصَّحابة، وهو قولُ طاوسٍ والنَّخَعيِّ مِن التابعينَ.
وهذا النوعُ مِن التخفيفِ في كلِّ الصلواتِ جميعًا.
والنوعُ الثانِي: تخفيفُ العَدَد، وهو في الرُّبَاعِيَّةِ فقَطْ، فتكونُ ركعتَيْنِ.
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٦٨٤) (١/ ٣٢٢).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٦٨٢) و (٣٦٨٣) (١/ ٣٢٢).
(٣) أخرجه عبد الرازق في "مصنفه" (٢٧٣٩) (٢/ ١١٩).