كان عَلَيْهِ مِنَ الثبوتِ تبَعًا لنصٍّ متعلِّقٍ بحالٍ أُخرى، وهي الإقامةُ، ولَمَّا ثبَتَ بنفسِه، دلَّ عَلَى تغايُرِ حُكْمِهِ عنِ الحضَر، ولم تُرِدْ غيرَ ذلك.
ولا يصحُّ أن نجعلَ مِن حديثِ عائشةَ قولًا لها في وجوبِ القَصْرِ وقد ثبَتَ عنها أنَّها كانت تُتمُّ الصلاةَ في السفرِ؛ كما قال عطاءٌ: "لا أعلَمُ أحدًا مِن أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَان يُوفِي الصلاةَ في السَّفَرِ إلَّا سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ، وكانَت عائشة تُوفِي الصلاةَ في السفرِ وتصومُ"؛ رواهُ عبدُ الرزَّاقِ والطَّحاويُّ وابنُ المُنذرِ (١)؛ وهو صحيحٌ.
ورواهُ عنها عُرْوةُ، أخرَجَهُ عبدُ الرزَّاقِ (٢).
وجاء عنها أيضًا أنَّها كانَتْ تقصُرُ في السفَرِ؛ رواهُ عنها ميمونُ بنُ مِهْرانَ وعُرْوةُ، الأَوَّلُ رواهُ عبدُ الرزَّاقِ (٣)، والثاني رواهُ ابنُ جَريرٍ (٤).
وثبَتَ القصرُ بعدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن الصحابةِ؛ كأبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ وابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ وجابرٍ وأبي موسى وأنَسٍ وأبي بَرْزَةَ وسَلْمَانَ وغيرِهم.
سببُ إتمامِ بعضِ السلفِ للصلاةِ في السَّفَرِ:
وما وَرَدَ عن بعضِهم مِن الإتمامِ في السفر، فليس هو عَلَى الخلافِ في أصلِ الرُّخصةِ؛ وإنَّما خِلافُهم في ذلكَ لسبَبَيْنِ:
الأوَّلُ: لاختلافِهم في التفاضُلِ بين القصرِ والإتمامِ.
الثاني: لاختلافِهم في تقديرِ حقيقةِ السفرِ الذي رُبِطَتْ به رُخْصةُ القَصْرِ ونوعُهُ، وتقديرُ الإقامةِ وحالِها ومُدَّتِها، وحالِ المسافرِ وقَصْدِه.
(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٤٤٥٩) (٢/ ٥٦٠)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ٤٢٤)، وابن المنذر في "الأوسط" (٤/ ٣٨٥).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٤٤٦١) و (٤٤٦٢) (٢/ ٥٦١).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٤٤٦٣) (٢/ ٥٦١).
(٤) "تفسير الطبري" (٧/ ٤١٠).