ومن هنا اختلف الصحابة فى فهم بعض آيات القرآن، فأخذ كلٌ بما وصل إليه عقله، وأدَّاه إليه نظره.
* *
* الأُمور التى يجب على المفسِّر أن يتجنبها فى تفسيره:
هناك أُمور يجب على المفسِّر أن يتجنبها فى تفسيره حتى لا يقع فى الخطأ ويكون ممن قال فى القرآن برأيه الفاسد، وهذه الأمُور هى ما يأتى:
أولاً: التهجم على بيان مراد الله تعالى من كلامه مع الجهالة بقوانين اللغة وأصول الشريعة، وبدون أن يُحَصِّل العلوم التى يجوز معها التفسير.
ثانياً: الخوض فيما استأثر الله بعلمه، وذلك كالمتشابه الذى لا يعلمه إلا الله. فليس للمفسِّر أن يتهجم على الغيب بعد أن جعله الله تعالى سراً من أسراره وحَجَبه عن عباده.
ثالثاً: السير مع الهوى والاستحسان، فلا يُفسِّر بهواه ولا يُرَجِّح باستحسانه.
رابعاً: التفسير المقرر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلاً والتفسير تابعاً، فيحتال فى التأويل حتى يصرفه إلى عقيدته، ويرده إلى مذهبه بأى طريق أمكن، وإن كان غاية فى البُعْدِ والغرابة.
خامساً: التفسير مع القطع بأن مراد الله كذا وكذا من غير دليل، وهذا منهى عنه شرعاً، لقوله تعالى فى الآية ١٦٩ من سورة البقرة: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .
وإذ قد بيِّنا أن المفسِّر لا يجوز له أن يتهجم على تفسير ما استأثر الله تعالى بعلمه وحَجبَه عن خلقه، وبيَّنا أنه لا يجوز له أن يقطع بأن مراد الله كذا وكذا من غير دليل، لزم علينا أن نبيَّن أنواع العلوم التى اشتمل عليها القرآن ما يمكن معرفته منها وما لا يمكن، فنقول:
أنواع علوم القرآن
تتنوع علوم القرآن إلى أنواع ثلاثة، وهى ما يأتى:
النوع الأول: علم لم يطلع الله عليه أحداً من خلقه، وهو ما استأثر به من علوم أسرار كتابه، من معرفة كُنْه ذاته وغيوبه التى لا يعلمها إلا هو، وهذا النوع لا يجوز لأحد الخوض فيه والتهجم عليه بوجه من الوجوه إجماعاً.
النوع الثانى: ما أطلع الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم من أسرار الكتاب واختصه به، وهذا لا يجوز الكلام فيه إلا له - صلى الله عليه وسلم - أو لمن أذن له. قيل: ومنه الحروف المقطعة فى أوائل السور، ومِنَ العلماء مَنْ يجعلها من النوع الأول.