شئ من القوى، ولا شك أن القوى النفسانية تابعة للقوى البدنية، وقد صرَّح فى مقدمة نهاية العقول: أنه مقرر مذهب خصمه تقريراً لو أراد خصمه تقريره لم يقدر على الزيادة على ذلك".
* *
* موقفه من علوم الفقه والأصول والنحو والبلاغة:
ثم إن الفخر الرازى لا يكاد يمر بآية من آيات الأحكام إلا ويذكر مذاهب الفقهاء فيها، مع ترويجه لمذهب الشافعى - الذى يُقلِّدُه - بالأدلة والبراهين.
كذلك نجده يستطرد لذكر المسائل الأصولية، والمسائل النحوية، والبلاغية، وإن كان لا يتوسع فى ذلك توسعه فى مسائل العلوم الكونية والرياضية.
وبالجملة.. فالكتاب أشبه ما يكون بموسوعة فى علم الكلام، وفى علوم الكون والطبيعة، إذ أن هذه الناحية، هى التى غلبت عليه حتى كادت تُقَلِّل من أهمية الكتاب كتفسير للقرآن الكريم.
ومن أجل ذلك قال صاحب كشف الظنون: "إن الإمام فخر الدين الرازى ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة، وخرج من شئ إلى شئ، حتى يقضى الناظر العجب" ونقل عن أبى حيان أنه قال فى البحر المحيط: "جمع الإمام الرازى فى تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها فى علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شئ إلا التفسير".
ويظهر لنا أن الإمام فخر الدين الرازى كان مولعاً بكثرة الاستنباطات والاستطرادات فى تفسيره، ما دام يستطيع أن يجد صلة ما بين المستنبَط أو المستطرَد إليه وبين اللفظ القرآنى، والذى يقرأ مقدمة تفسيره لا يسعه إلا أن يحكم على الفخر هذا الحكم، وذلك حيث يقول: "اعلم أنه مَرَّ على لسانى فى بعض الأوقات، أن هذه السورة الكريمة - يريد الفاتحة - يمكن أن يُستنبَط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة، فاستبعد هذا بعض الحُسَّاد، وقوم من أهل الجهل والغى والعناد، وحملوا ذلك على ما ألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعانى، والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمبانى، فلما شرعتُ فى تصنيف هذا الكتاب، قدَّمتُ هذه المقدمة، لتصير كالتنبيه على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول، قريب الوصول" ... إلخ.
وبعد.. فالكتاب بين يديك، فأجِلْ نظرك فى جميع نواحيه، فسوف لا ترى إلا ما قلته فيه، وما حكمتُ به عليه.
* * *