ولكن الخطيب إن مَرّ على مثل هذه القصص بدون أن يُعَقِّب عليها، لا يرضى لنفسه أن يَمُرَّ على قصة فيها ما يخل بمقام النبوة إلا بعد أن يُعَقِّب عليها بما يُظهر بطلانها وعدم صحتها.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيات: ٢١، ٢٢، ٢٣، ٢٤ من سورة ص : {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب} ... الآيات، إلى آخر القصة، نراه يذكر لنا عبارة الفخر الرازى التى ذكرها فى تفسيره لتفنيد الروايات الباطلة فى هذه القصة، وتقرير ما هو لائق فى حق نبى الله داود عليه السلام.
... وهكذا نلاحظ على هذا التفسير أنه يغلب عليه الجانب القَصصى بالنسبة لغيره من بقية جوانب التفسير.
* *
* كثرة نقوله عن تفسير الفخر الرازى:
هذا ولا يفوتنا أن الخطيب الشربينى، كثيراً ما يعتمد على التفسير الكبير للفخر الرازى، والذى يقرأ فى تفسيره هذا، يجد أنه يكثر من النقول عنه.
والكتاب مطبوع فى أربعة أجزاء كبار، ومتداوَل بين أهل العلم، لما فيه من السهولة والجمع لخلاصة التفاسير التى سبقته مع الدقة والإيجاز.
* * *
٩ - إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (لأبى السعود)
* التعريف بمؤلف هذا التفسير:
مؤلف هذا التفسير، هو أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى، العمادى، الحنفى المولود فى سنة ٩٨٣ هـ (ثلاث وتسعين وثمانمائة من الهجرة) ، بقرية قريبة من القسطنطينية، وهو من بيت عُرف أهله بالعلم والفضل حتى قال بعضهم فيه: تَربَّى فى حجر العلم حتى رَبَى، وارتضع ثدى الفضل إلى أن ترعرع وحَبَا، ولا زال يخدم العلوم الشريفة حتى رحب باعه، وامتد ساعده واشتد اتساعه".
قرأ كثيراً من كتب العلم على والده، وتتلمذ لكثير من جلَّة العلماء، فاستفاد منهم علما جمّاً، ثم طارت سمعته، وفاضت شهرته، وعظم صيته، وتولى التدريس فى كثير من المدارس التركية، ثم قُلِّد قضاء بروسة ثم نُقل إلى قضاء القسطنطينية، ثم نُقل إلى قضاء ولاية العسكر فى ولاية روم أيلى، ودام على قضائها مدة ثمان سنين، ثم تولى أمر الفتوى بعد ذلك، فقام بها خير قيام بعد أن اضطرب أمرها بانتقالها من يد إلى يد، وكان ذلك سنة ٩٥٢ هـ (اثنتين وخمسين وتسعمائة من الهجرة) ومكث فى منصب