وأما الشرط الثانى: فلأنه إن لم يكن له شاهد فى محل آخر أو كان وله معارض صار من جملة الدعاوى التى تُدَّعى على القرآن، والدعوى المجرَّدة عن الدليل غير مقبولة باتفاق العلماء.
إذا توافر هذان الشرطان فى معنى من المعانى الباطنة قُبِل، لأنه معنى باطن صحيح، وإلا رُفِض رفضاً باتاً، لأنه معنى باطن فاسد وتَقَوُّلٌ على الله بالهوى والتشهى.
إذا عرفنا هذا كله ثم ذهبنا نستعرض على ضوئه أقوال القوم فى معانى القرآن الباطنة، وجدنا الكثير منها يمكن أن يكون من قبيل الباطن الصحيح، وكثير منها أيضاً هو من قبيل الباطن الفاسد المرفوض، وكبرى المشاكل أن بعضها منسوب إلى رجال من أهل العلم لهم مكانة علمية ودينية فى نفوسنا، بل وبعضها منسوب إلى رجال من الصحابة، وهم أعرف الناس بكتاب الله وما يحويه من المعانى والأسرار.
فمن الأفهام الباطنة المنقولة عنهم ويمكن أن تكون من قبيل الباطن الصحيح المقبول: ما جاء فى قوله تعالى فى الآية ٢٢ من سورة البقرة: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .. من قول سهل التسترى {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} أى أضداداً، فأكبر الأضداد: النفس الأمَّارة بالسوء، المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدى من الله".
فهذا القول من سهل يشير إلى أن النفس الأمَّارة داخلة تحت عموم الأنداد حتى لو فصَّل لكان المعنى: فلا تجعلوا لله أنداداً لا صنماً، ولا شيطاناً، ولا النفس، ولا كذا، ولا كذا.. وهذا مشكل من حيث الظاهر، لأن سياق الآية وما يحف بها من قرائن يدل على أن الأنداد مراد بها كل ما يعبد من دون الله، سواء أكان صنماً أم غير صنم، أما الأنفس فلم تكن معبودة لهم، ولم يُعرف أنهم اتخذوها أرباباً من دون الله، ومع هذا فيمكن أن يكون لهذا التفسير وجه صحيح، وبيان ذلك:
إن الناظر فى القرآن الكريم، قد يأخذ من معنى الآية معنى باب الاعتبار، فيُجرية فيما لم تنزل فيه الآية، لأنه يجامعه فى القصد أو يقاربه، وسهل التسترى - رحمه الله - حيث قال فى الآية ما قال، لم يرد أنه تفسير للآية، بل أتى بما هو ند فى الاعتبار الشرعى، وذلك لأن حقيقة الند: أنه المضاد لنده، الجارى على مناقضته، والنفس الأمَّارة هذا شأنها، لأنها تأمر صاحبها بمراعاة حظوظها، لاهية أو صادَّة عن مراعاة حقوق خالقها، وهذا هو الذى يعنى به الند بالنسبة لنده، لأن الأصنام نصبوها لهذا المعنى بعينه، وعلى هذا فلا غبار على قول سهل فى الآية، بل وهناك ما يشهد له من الجهتين -