وأيضاً فإن مَن ذُكر عنه مثل ذلك من المعتبرين لم يصرِّح بأنه المعنى المقصود المخاطَب به الخلق، بل أجراه مجراه وسكت عن كونه هو المراد، وإن جاء شىء من ذلك وصرَّح صاحبه أنه هو المراد، فهو من أرباب الأحوال الذين لا يفرقون بين الاعتبار القرآنى والوجودى، وأكثر ما يطرأ هذا لمن هو بعد فى السلوك، سائر على الطريق، لم يتحقق بمطلوبه. ولا اعتبار بقول مَن لم يثبت اعتبار قوله من الباطنية وغيرهم".
فالشاطبى - رحمه الله - يقرر فى كلامه هذا: أن مثل هذا النوع الأخير من كلام الصوفية راجع إلى الاعتبار غير القرآنى، ومع ذلك فيمكن تنزيله على معانى القرآن، كما أنه يقرر: أن مَن قال هذا لم يُذكر عنه أنه قاله على أنه تفسير للآية وبيان للمقصود منها، وهذا من حسن ظنه بالقوم.
* *
مقالات بعض العلماء فى التفسير الإشارى
وإذا نحن رجعنا إلى أقوال العلماء التى قالوها فى تفسير الصوفية وجدناها جميعاً تقوم على حُسْن الظن بهم، وإليك بعضاً منها:
* مقالة ابن الصلاح:
قال ابن الصلاح فى فتاواه - وقد سُئِل عن كلام الصوفية فى القرآن: "وجدت عن الإمام أبى الحسن الواحدى المفسِّر رحمه الله تعالى أنه قال: صنَّف أبو عبد الرحمن السلمى "حقائق التفسير"، فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر. قال ابن الصلاح: وأنا أقول: الظن بمن يوثق به منهم أنه إذا قال شيئاً من أمثال ذلك أنه لم يذكره تفسيراً، ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة المذكورة من القرآن العظيم، فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية، وإنما ذلك ذكر منهم لنظير ما ورد به القرآن، فإن النظير يُذكر بالنظير، ومن ذلك قتال النفس فى الآية المذكورة - يريد قوله تعالى فى الآية ١٢٣ من سورة التوبة: {ياأيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار} .. فكأنه قال: أمرنا بقتال النفس ومَن يلينا من الكفار، ومع ذلك فياليتهم لم يتساهلوا فى مثل ذلك لما فيه من الإبهام والإلباس".
*
* مقالة سعد الدين التفتازانى:
وقد علَّق التفتازانى على قول النسفى فى كتابه "العقائد": "والنصوص على ظواهرها، فالعدول عنها إلى معان يدَّعيها أهل الباطن إلحاد" فقال رحمه الله: "وسُمُّوا الباطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها، بل لها معان باطنة لا يعرفها إلا المعلم، وقصدهم بذلك نفى الشريعة بالكلية".. ثم قال: "وأما ما يذهب إليه بعض