فى كثير من المواضع، فيقول فى بعض المواضع: "وبعد هذا تعلم أن الله ينادى الناس بأنهم لا ينبغى أن ينتظروا من الرسول آية على صدقه فى دعوته غير ما فى سيرته ورسالته".
وفى موضع آخر يقول: "واعلم أن آيات الله فى نصر أنبيائه لا تناقض سُنَّته فى خلقه وكونه".
وفى موضع ثالث يقول: "وقد كانت كل آياتهم حججاً وبراهين من سيرتهم ورسالتهم. فلا يمكن أن يأتوا بدليل على صدقهم من غير الدعوة نفسها، فتكون هناك علاقة بين الدعوة ودليلها فتدبر".
وفي موضع رابع يقول: "وإن آيتهم على صدق دعوتهم لا تخرج عن حسن سيرتهم، وصلاح رسالتهم، وأنهم لا يأتون بغير المعقول، ولا بما يبدِّل سُنَّته ونظامه فى كونه".
على هذا الأساس تناول الرجل آيات المعجزات فخرج بها عن مدلولها الحقيقى الذى أراده الله تعالى.
*
* موقفه من معجزات عيسى عليه السلام:
فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية ٤٩ من سورة آل عمران فى شأن عيسى عليه السلام: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أني أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله وَأُبْرِىءُ الأكمه والأبرص وَأُحْيِ الموتى بِإِذْنِ الله وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} .. نجده يقول ما نصه: {كَهَيْئَةِ الطير} يفيدك التمثيل لإخراج الناس من ثقل الجهل وظلماته إلى خفة العلم ونوره، {الأكمه} من ليس عنده النظر، {الأبرص} المتلون بما يُشوِّه الفطرة، فهل عيسى يُبرئ هذا بمعنى أنه يُكمل التكوين الجسمانى بالأعمال الطيبة؟ أم بمعنى أنه يكل التكوين الروحى والفكرى بالهداية الدينية؟ {فِي بُيُوتِكُمْ} يعلمهم التدبير المنزلى".
وإذا كان المؤلف قد تردد فى معنى إبراء الأكمه والأبرص هنا بين تكميل التكوين الجسمانى بالأعمال الطيبة، وبين تكميل التكوين الروحى بالهداية الدينية، فإنه ليس تردد الشاك فى أى الأمرين كان. وإنما هو تردد يبدو منه فى صراحة ووضوح ميله إلى أن المراد هو التكوين الروحى لا غير، وإنك لتجده يُصَرِّح فى موضع آخر بأن المراد هو تكميل التكوين الروحى بالهداية الدينية، وذلك عندما تعرَّض لقوله تعالى فى الآية