حضره جماعة من البلداء الخاملى الفكر شرح لهم المعنى بكلمات قليلة، وإذا كان هناك مَن يتنبه لما يقول ويُلقى له بالاً، يفتح الله عليه بكلام كثير. بهذا يُحدِّث الأستاذ الإمام عن نفسه.
ويحدثنا تلميذه السيد محمد رشيد رضا عن طريقة الأستاذ الإمام فى دروس التفسير فيقول: "كانت طريقته فى قراءة الدرس على مقربة مما ارتآه فى كتابة التفسير، وهو أن يتوسع فيه فيما أغفله أو قصَّر فيه المفسِّرون، ويختصر فيما برزوا فيه من مباحث الألفاظ، والإعراب، ونكت البلاغة، وفى الروايات التى تدل عليها، ولا تتوقف على فهمها الآيات".
وكان الأستاذ الإمام يعتمد فى دروسه وكتابته فى التفسير على عقله الحر وكان - كما يقول عنه بعض الكاتبين - "لا يلتزم فى التفسير كتاباً، وإنما يقرأ فى المصحف، ويلقى ما يفيض الله على قلبه".
وكان من دأبه أنه لا يرجع إلى كتاب من كتب التفسير قبل إلقاء دروسه حتى لا يتأثر بفهم غيره، وكل ما كان منه أنه إذا عرض له وجه غريب من الإعراب، أو كلمة غريبة فى اللُّغة رجع إلى بعض كتب التفسير، ليرى ما كُتِب فى ذلك، وقد حدَّث عن نفسه بذلك فقال: "إننى لا أطالع عندما أقرأ، لكننى ربما أتصفح كتاب تفسير إذا كان هناك وجه غريب فى الإعراب، أو كلمة غريبة فى اللُّغة".
غير أننا نجد تلميذه السيد محمد رشيد رضا يذكر أن الأستاذ الإمام كان "يتوكأ فى ذلك - يعنى فى دروسه فى التفسير - على عبارة تفسير الجلالين الذى هو أوجز التفاسير، فكان يقرأ عبارته فيقرها، أو ينتقد منها ما يراه منتقداً ثم يتكلم فى الآية أو الآيات المنزَّلة فى معنى واحد بما فتح الله عليه، مما فيه هداية وعبرة".
وسواء أقلنا إن الأستاذ الإمام كان يرجع إلى كتب التفسير أم لا يرجع إليها، فإنه كان يُحَكّم عقله فيما يلقى وفيما يكتب، غير ملتفت إلى ما سُبِق به من أقوال فى التفسير، ولا بواقف عند اعتبارات المؤلفين وأفهامهم وقوف مَن يخضع لها، ويُسَلِّم بها، على ما فيها من غث وسمين.
نعم.. لم يجمد الأستاذ الإمام على ما فى كتب قدماء المفسِّرين، ولم يلغ عقله أمام عقولهم، بل على العكس من ذلك وجدناه يُنَدِّد بمن يكتفى فى التفسير بالنظر