وقال في ص ٥٩٧: «فإن قلت: علام عطف قوله: {ولا الملائكة}؟ قلت: لا يخلو إما أن يعطف على المسيح، أو على اسم (يكون) أو على المستتر في (عبدًا) لما فيه من معنى الوصف لدلالته على معنى العبادة، قولك: مررت برجل عبد أبوه، فالعطف على المسيح هو الظاهر لأداء غيره إلى ما فيه بعض انحراف عن الغرض، وهو أن المسيح لا يأنف أن يكون هو ولا من فوقه موصوفين بالعبودية، أو أن يعبد الله هو ومن فوقه.
فإن قلت: قد جعلت الملائكة، وهم جماعة عبد الله في هذا العطف، فما وجهه؟
قلت: فيها وجهان: أحدهما أن يراد: ولا كل واحد من الملائكة، أو: ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عباد الله، فحذف ذلك لدلالة (عبدًا لله) عليه إيجازًا.
وأما إذا عفتهم على المضير في (عبدًا) فقد طرح هذا السؤال».
وفي النهر ٤٠٢:٣ - ٤٠٤ {ولا الملائكة المقربون}: ظاهره أن يكون معطوفًا على قوله: {لن يستنكف المسيح}، والمعنى: لا تستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدًا لله، وليس معطوفًا على قوله: {المسيح} لاختلاف الخبر، قال الزمخشري.
التفضيل بين الملائكة والأنبياء إنما يكون بالسمع، إذ نحن لا ندرك جهة التفضيل بالعقل وأما الآية فقد يقال: متى نفي شيء عن اثنين فلا يدل ذلك على أن الثاني أرفع من الأول ولا أن ذلك من باب الترقي، فإذا قلت: لن يأنف فلان أن يسجد لله ولا عمرو فلا دلالة فيه على أن عمرا أفضل من زيد، وإن سلمنا ذلك فليست الآية من هذا القبيل لأنه قابل مفردًا بجمع ولم يقابل مفردًا بمفرد، ولا جمعًا بجمع، وقد يقال: الجمع أفضل من المفرد.
ولا يلزم في الآية تفضيل الجمع على الجمع، ولا المفرد على المفرد.
وإن سلمنا أن المعطوف في الآية أرفع من المعطوف عليه فيكون ذلك بحسب ما ألقى في أذهان العرب وغيرهم من تعظيم الملك وترفيعه، حتى إنهم ينفون البشرية