انظر أين تضع نفسك
الواصفون١ أكثر من العارفين، والعارفون أكثر من الفاعلين.
فلينظرِ امرؤ أين يضع نفسه؛ فإن لكل امرئ لم تدخل عليه آفة نصيبًا من اللب يعيش به، لا يحب أن له به من الدنيا ثمنًا, وليس كل ذي نصيب من اللب بمستوجب أن يسمى في ذوي الألباب, ولا يوصف بصفاتهم, فمن رام أن يجعل نفسه لذلك الاسم والوصف أهلًا، فليأخذ له عتاده٢, وليعد له طول أيامه، وليؤثره على أهوائه, فإنه قد رام أمرًا جسيمًا لا يصلح على الغفلة، ولا يدرك بالمعجزة، ولا يصير على الأثرة٣, وليس كسائر أمور الدنيا وسلطانها ومالها وزينتها التي قد يدرك منها المتواني ما يفوت المثابر, ويصيب منها العاجز ما يخطئ الحازم.
جماع الصواب, وجماع الخطأ:
وليعلم أن على العاقل أمورًا إذا ضيعها, حكم عليه عقله بمقارنة الجهال.
فعلى العاقل أن يعلم أن الناس مشتركون, مستوون في الحب
١ أراد بالواصفين: المكثرين الكلام.
٢ العتاد: ما أعدَّ لأمر ما.
٣ الأثرة: أن يختار المرء لنفسه أحسن الأشياء دون أصحابه.