فألقاه إلى الساحل , كأنه أشار بهذا القول إلى أن حُكْم ما يوجد , ويُستفاد من البحر خلاف ما يُستفاد من الأموال في البِرّ , ومعلوم أنه كان في دهر رسول الله , صلى الله عليه وسلم , وزمانه , يَخرج اللؤلؤ , والمرجان , والعنبر , ونحوها من متاعه , فلم يُروَ في السُّنن والآثار أنه أوجب في شيء منها عشر , أو خمسا , أو أقل , أو أكثر منهما , فدل أن ذلك عفو.
وقد رأينا البحر والبَر يختلف الحُكم فيهما من وُجوه.
أحدها: أن مَيْتَة البحر حلال خِلاف ميتة البر , وأن صيد البحر حلال للمُحرم , وصيد البر مُحرّم عليه , وقد عُفِي أيضاعمّا يُصطاد من سُموك البحر وطعامه, وهو قوت أهل السواحل والأسياف , وعلَف دوابهم , وتَحمِل منها السُّفُن مشحونة إلى البلاد , وتكثر قِيمها , وتبلغ الأموال الجسيمة , وهي شيء لا ينقطع , ولا يُعدَم , فلم يختلف العلماء في أنه لا صدقة في شيء منها , فدلّ ما وصفناه منه على مخالفة حُكم البحر أحكام البر.
فأما ما يوجد طافيا على الماء من متاع قد غرق فيه للناس , فإن سبيله سبيل اللُّقَطة , يُعَرَّف كما تُعَرَّف اللُّقَط في البر , وليس لآخذه على صاحب المال جُعل , ولا حق , فأما ما يؤخذ طافيا فوق السيول والأودية السائلة في البر من متاع , وخشب , ونحوها , فإنه لا حَظّ لآخذها في شيء منها , إلا أنه يَعلم أنّ الخشب الذي حمله السيل إنما اقتلعه من جبل , أو بَرِّيَّة غير مملوكة , فيكون ذلك حينئذ لمَن سبق إليه.