قال المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
(فَكُلُّ هَوُلَاءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ نَصَبْنَا رِوَايَتَهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينِ سَمَّيْنَاهُمْ، لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُمْ سَمَاعٌ عَلِمْنَاهُ مِنْهُمْ، فِي رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا، وَلَا أَنَّهُمْ لَقُوهُمْ فِي نفْسِ خَبَرٍ بِعَيْنِهِ، وَهِيَ أَسَانِيدُ عِنْدَ ذَوِي الْمَعْرِفَةِ بِالأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ مِنْ صِحَاحِ الْأَسَانِيدِ، لَا نَعْلَمُهُمْ وَهَّنُوا مِنْهَا شَيْئًا قَطُّ، وَلَا الْتَمَسُوا فِيهَا سَمَاعَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، إِذِ السَّمَاعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُمْكِنٌ مِنْ صَاحِبِهِ، غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ؛ لِكَوْنِهِمْ جَمِيعًا كَانُوا فِي الْعَصْرِ الَّذِي اتَّفَقُوا فِيهِ).
إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:
بيّن رَحِمَهُ اللهَ تعالى أن هؤلاء التابعين الذين رووا عن هؤلاء الصحابة الذين سبق ذكرهم لم يثبت لقاؤهم لهم، ولا سماع منهم في رواية معيّنة، وهي مع ذلك أحاديث صحاح الأسانيد عند العلماء النقّاد الذين لهم معرفة تامّة بالأخبار، لم يُضعّفوا منها شيئًا، ولا طلبوا ثبوت سماع المعنعن من المعنعن عنه؛ اكتفاءً بإمكانه؛ لوجود المعاصرة مع ارتفاع الموانع. هذا خلاصة ما أشار إليه، وقد عرفت ما في ذلك من الانتقادات فيما سبق، فكن على بصيرة، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
(فَكُلُّ هَوُلَاءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ نَصَبْنَا) أي أقمنا (رِوَايَتَهُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ لم يُحْفَظْ) بالبناء للمفعول (عَنْهُمْ سَمَاعٌ عَلِمْنَاهُ مِنْهُمْ فِي رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا، وَلَا أَنَّهُمْ لَقُوهُمْ فِي نَفْسِ خَبَرٍ بِعَيْنِهِ) قد عرفت أن هذا ليس مسلّمًا للمصنف في كلهم، كما اتّضح مما أسلفناه، لكن يُعتذر عنه بأنه إنما نفى علمه، كما أشار إليه بقوله: "علمناه". والله تعالى أعلم.
(وَهِيَ أَسَانِيدُ) مبتدأ وخبر. وقوله: (عِنْدَ ذَوِي الْمَعْرِفَةِ) متعلّق بحال مقدَّر (بِالْأَخْبَارِ) بفتح الهمزة جمع خبر (وَالرِّوَايَاتِ) من عطف المرادف. وقوله: (مِنْ صِحَاحِ الْأَسَانِيدِ) متعلّق بصفة لـ "أسانيد" (لَا نَعْلَمُهُمْ وَهَّنُوا) أي ضعّفوا (مِنْهَا شَيْئًا قَطُّ، وَلَا الْتَمَسُوا فِيهَا سَمَاعَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) هذا فيه نظر لا يخفى، فقد سبق أن المحقّقين ممن سمّاهم المصنّف، وغيرهم فتّشوا عن السماع كثيرًا، فلا يتمّ له هذا الادّعاء، فتنبّه بالإنصاف.
(إِذِ السَّمَاعُ) "إذ" تعليلية؛ أي لأن السماع (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أي من التابعين المذكورين (مُمْكِنٌ مِنْ صَاحِبِهِ) أي من الصحابي الذي روى عنه بالعنعنة (غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ) بصيغة اسم المفعول، يعني أنه لا يُنكَر ذلك عنهم (لِكَوْنِهِمْ) أي لكون المعنعِنين،