شهادات، دعاه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "أبك جنون؟ " قال: لا يا رسول الله، فقال: "أحصنت؟ " قال نعم يا رسول الله، قال: "اذهبوا به فارجموه". قال ابن شهاب: أخبرني من سمع جابرا، قال: فكنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة جَمَزَ، حتى أدركناه بالحرة، فرجمناه. هكذا أورده البخاري في "باب سؤال الإمام الْمُقِرَّ هل أحصنت؟ "، فثبت اتصاله من هذا الوجه الآخر. والحمد للَّه.
والرجل المرجوم المبهم اسمه في هذا الحديث، هو ماعز بن مالك الأسلمي، وقد جاء مسمى هكذا في "الصحيح" من حديث أبي سعيد الخدري، وبُريدة بن الحصيب، وغيرهما، وذكر بعض العلماء أنه لا خلاف بين أصحاب الحديث في ذلك. وقيل: إن ماعزا لقب له، واسمه عَرِيب بن مالك، حكى ذلك الحافظ أبو القاسم خلف ابن عبد الملك القرطبي، وعزاه إلى الحافظين أبي علي بن السَّكَن، وأبي الوليد بن الفرضي. والله أعلم.
وفي "سنن أبي داود" أن ماعزا كان يتيما في حجر هَزّال الأسلمي، وأنه الذي عَنَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله لهزال: "يا هزال لو سترته بردائك كان خيرا لك". وقول الزهري: فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله يقول: فكنت فيمن رجمه، يدخل في باب المقطوع على مذهب من يرى ذلك كما تقدم بيانه. ويحتمل أن يكون المخبر للزهري هو أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ لأن مسلما أخرج بعد حديث عُقيل عن الزهري الذي ذكرناه أولا، حديث يونس ومعمر وغيرهما عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: نحو حديث عُقيل، عن الزهري، عن سعيد، وأبي سلمة، عن أبي هريرة. والله عز وجل أعلم.
وقوله: "أذلقته الحجارة" يعني بلغت به الجهد. وقيل: معناه أوجعته، وأوهنته. وقيل: أصابته بحدها فعقرته، ومعنى الجميع متقارب. وقوله: "جَمَزَ" معناه: أسرع يهرول، والْجَمَزَى ضرب من السير، كأنه قفز، ويقال: جَمَزَ، وأجمز، والله الموفق.
الحديث الثالث عشر
أخرج مسلم رحمه الله في "كتاب المغازي" (١) حديث مسلم بن قَرَظَةَ، عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ... " الحديث، فأورده من طريقين متصلين عن رُزَيق بن حَيّان، عن مسلم بن قَرَظَةَ بإسناده الذي ذكرناه، ثم قال عقيبه: ورواه معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن مسلم بن
(١) هكذا النسخة، والصواب في "كتاب الإمارة" "باب خيار الأئمة وشرارهم" ٣/ ١٤٨١ الحديث رقم ١٨٥٥.