وهذه الدرجة تنقسم إلى قسمين:
(الأول): العلوّ إلى الأئمة، وعلوّ الأئمة إلى الصحابيّ، فنجد أوّلًا حدّا يعرف به المبتدىء الأئمة، فنقول: قوم حدّثونا عن التابعين، ثم يقع حديثهم إلى أمثالنا عن أربعة رجال، مثل مالك بن أنس، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وشعبة، والثوريّ، والحمادين، ومن في طبقتهم على القاعدة التي قدّمناها في الثقة، وإمكان سماع كلّ واحد من صاحبه، وفي هذه الطبقة قوم تأخّرت وفاتهم عمن ذكرنا فعلا حديثهم، ومنهم من تقدّمت وفاتهم، فلا يقع حديثهم إلا نازلًا، وسيجيء الكلام على تفصيل طبقاتهم -إن شاء الله تعالى-.
(فمثال القسم الأول): إسناد يقع لأمثالنا إلى شعبة، أو غيره، ممن قدمنا ذكره بعلوّ، ثم بعلوّ لشعبة إلى الصحابيّ الراوي للحديث.
ومثاله: ما أخبرناه أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز الهرويّ بها، قال: أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شُريح الأنصاريّ، ثنا أبو القاسم البغويّ، ثنا عليّ بن الجعد، ثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرًا قال: "استأذنت على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "من هذا؟ " فقلت: أنا، فقال: "أنا أنا"، كأنه كرهه (١).
فهذا هو الحدّ في العلوّ إلى الإمام، وعلوّ الإمام إلى الصحابيّ مع صحّة سماع كلّ واحد من صاحبه. وعلى هذا سائر الروايات إلى كلّ من روى عن متقدّمي التابعين ومتأخريهم، فإن التابعين أيضًا على طبقات عدّة، إلا أنا نختصرهم، فنمثّلهم ثلاث طبقات.
(الطبقة الأولى): قوم رووا عن العشرة، فمن في طبقتهم، فلا يكاد يقع حديثهم إلا كما يقع حديث متأخري الصحابة؛ لتقدّم موتهم، ولا يوجد حديثهم إلا عند تابعيّ.
(الطبقة الثانية): قوم رووا عن متوسطي الصحابة، وهم الذين أدركهم هؤلاء الأئمة، وأمثالهم.
(الطبقة الثالثة): قوم حدّثوا عن صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم، فأدركوهم في حال صغر سنّهم، وكبر سنّ الصحابة الذين عُمّروا، وكانوا صغارًا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن آخر من مات بمكة من الصحابة أبو الطفيل عامر بن واثلة، وبالمدينة سهل ابن سعد، وبالشام عبد الله بن بُسْر، وبمصر عبد الله بن الحارث بن جَزْء، وبالكوفة عبد
(١) متّفقٌ عليه.