جماعة، فلعلّ الحاكم ظنّ أن الواقديّ انتهى بنسبه لزريق إلى عبد، ثم ابتدأ قال: حارثةُ مرفوعًا، وأن حارثة هو المراد بالصحبة، وإنما هو عبد حارثة مضافًا، وهو اسم لشخص واحد كما بيّنّاه، وأن أبا عمر بن عبد البرّ، والأمير قلّدا أبا أحمد، وقد أشبعت الكلام في هذا الاسم في "تهذيب الإكمال"، و"أوهام الأمير".
وقد أحسن أحمد بن حنبل رحمه الله في ترك التقليد والحثّ على البحث حيث ذاكر عليّ بن المدينيّ في أصحاب الزهريّ، وكان أحمد يقدّم مالكًا، وابن المدينيّ يقدّم سفيان.
أخبرنا أبو منصور محمد بن أحمد بن الفرج الوكيل، أنبأنا عبد القادر بن محمد، أنبأنا عمر بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا عبد العزيز بن جعفر، أنبأنا أحمد بن محمد بن هارون، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن محمد، قال: سمعت أبي يقول: كنت أنا وعليّ بن المدينيّ، فذكرنا أثبت من روى عن الزهريّ، فقال عليّ: سفيان بن عيينة، فقلت أنا: مالك بن أنس، وابن عيينة يُخطىء في نحو عشرين حديثًا عن الزهريّ، في حديث كذا، وحديث كذا، فذكرت منها ثمانية عشر حديثًا، وقلت: هات ما أخطأ فيه مالك، فجاء بحديثين، أو ثلاثة، قال: فنظرت فيما أخطأ فيه سفيان بن عيينة، فإذا هي أكثر من عشرين حديثًا.
ألا ترى أن ابن المدينيّ ومحلّه من هذا الشأن ما قد عُرف لَمّا لم يُمعن النظر في البحث عن حديث إمام الهجرة حكم بغير ما تقتضيه النصفة حتّى ذكّره أحمد، وكان السبب فيه أن ابن المدينيّ فاته مالك، ومُتّع بسفيان، وكان ربّما يعتقد في حديث مالك عن الزهريّ أنه عرضٌ، وحديث سفيان تحديث، حدّثه به الزهريّ، وإن كان الأمر على خلاف ذلك، وأحمد لم يكتف بذلك حتى سبر حديثهما، ثم حكم لأحدهما على الآخر.
باب إبطال قول من زعم أن شرط البخاريّ إخراج الحديث عن عدلين، وهلمّ جَرّا إلى أن يتّصل الخبر بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-
قد تقدّم منّا القول بأن هذا حكم من لم يُمعن الغوصَ في خبايا الصحيح، ولو استقرأ الكتاب حقّ استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة عليه دعواه، وأما قول الحاكم في القسم الأول: إن اختيار البخاريّ ومسلم إخراج الحديث عن عدلين إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فهذا غير صحيح طردًا وعكسًا، بل لو عكس القضيّة، وحكم كان أسلم له، وقد صرّح بنحو ما قلت من هو أمكن منه في الحديث، وهو أبو حاتم محمد بن حبّان الْبُستيّ.