ومن يُدانيهم ضيّق المخرج جدّا، ولهذا قلّما يوجد للشاميين والمحصريين حديث يُعْتَنَى بجمع طرقه ويُذاكر به في السير من حديث الشاميين الدمشقيين، وذالك لضيق مخرج حديثهم.
ومن أمعن النظر في هذه الأمثلة المذكورة بان له فساد وضع الأقسام التي ذكرها الحاكم.
وإذ قد فرغنا من إبطال هذه الدعوى، فلنذكر التحقيق في قبول الأخبار من الثقات الموصوفين بالشرائط التي يأتي ذكرها.
فمهما كانت تلك الشرائط موجودةً في حقّ راو كان على شرطهم وغرضهم، وله منهم قبول خبره، تفرّد بالحديث، أو شاركه غيره فيه.
نعم يُفيد هذا في باب الترجيحات عند تعارض الأخبار حالة المذاكرة بين المتناظرين، وذلك من وظيفة الفقهاء؛ لأن قصدهم إثبات الأحكام، ومجال نظرهم في ذلك متّسِع.
وقد أورد بعض أئمّتنا في باب الترجيحات نيّفًا وأربعين وجهًا في ترجيح أحد الحديثين على الآخر.
ثم الحديث الواحد لا يخلو إما أن يكون من قبيل التواتر، أو من قبيل الآحاد، وإثبات التواتر في الأحاديث عَسِرٌ جدّا، سيّما على مذهب من لم يعتبر العدد في تحديده، وأما الآحاد فعند أكثر الفقهاء توجب العمل دون العلم، فلا تعويل على مذهب الكوفيين في ذلك. وقد ذهب بعض أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم (١)، وتفاصيل مذاهب الكلّ مذكورة في كتب أصول الفقه، وعلى الجملة فقد اتّفقوا أنه لا يُشترط في قبول الآحاد العدد قلّ أو كثُر. والله أعلم.
الشروط (٢) المعتبرة المذكورة عند الأئمة التي من احتوى عليها، وتحلّى بحليتها لزِم قبول خبره، واستحقّ إخراج حديثه في الصحيح، ثم نردفه بذكر قصد البخاريّ في وضع كتابه، وكذلك نذكر شرط من عداه من الأئمة الذين ذكرناهم أوّلًا، فهاتان
(١) هذا المذهب هو الحقّ، وقد سبق بيانه بالنسبة لأحاديث "الصحيحين" في المسألة الرابعة من هذه المقدّمة، وسيأتي تمام البحث في ذلك في أواخر هذا الشرح، إن شاء الله تعالى.
(٢) هكذا النسخة، ولعل في الكلام ساقطًا، مثل ونتكلم في الشروط إلخ، أو نحو هذا، فإن الكلام غير ملتئم، فليحرّر. والله تعالى أعلم.