والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثالثة: في اشتقاق "الربّ":
قال العلامة السمين الحلبيّ رحمه الله تعالى: اختُلف، هل هو في الأصل وصف، أو مصدر؟ فمنهم من قال: هو وصف، ثم اختَلف هؤلاء في وزنه، فقيل: هو على وزن فَعْل، كقولك: نَمَّ يَنُمُّ، فهو نَمٌّ. وقيل: وزنه فاعلٌ، وأصله رابٌّ، ثم حُذفت الألف لكثرة الاستعمال، كقولهم: رجلٌ بارٌّ، وبَرٌّ.
ولقائل أن يقول: لا نسلّم أن بَرًّا مأخوذٌ من بارّ، بل هما وصفان، مستقلّتان، فلا ينبغي أن يُدّعَى أن ربّا أصله رابّ.
ومنهم من قال: هو مصدر ربه يربه ربا: أي ملكه، نحو رجل عدل، وصوم انتهى كلام السمين (١).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى: قيل: إنه مشتق من التربية، فالله مدبر لخلقه، ومربيهم، ومنه قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} النساء: ٢٣، فسميت بنت الزوجة ربيبة لتربية الزوج لها. فعلى هذا أنه مدبر لخلقه، ومربيهم، فيكون صفة فعل؛ وعلى أن الرب بمعنى المالك، والسيد يكون صفة ذات. انتهى كلام القرطبي بتصرف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: في معنى "العالمين"
قال السمين رحمه الله تعالى: خفض بالإضافة، وعلامة خفضه الياء؛ لجريانه مجرى جمعِ المذكر السالم، وهو اسم جمع؛ لأن واحده من غير لفظه، ولا يجوز أن يكون جمعًا لعالم؛ لأن الصحيح في "عالم" أنه يطلق على كل موجود سوى الباري تعالى؛ لاشتقاقه من العلامة، بمعنى أنه دال على صانعه، و"عالمون" بصيغة الجمع لا يطلق إلا على العقلاء، دون غيرهم، فاستحال أن يكون "عالمون" جمع "عالم"؛ لأن الجمع لا يكون أخص من المفرد.
وقال الراغب: إن "العالم" في الأصل اسم لما يعلم به، كالطابع اسم لما يطبع به، وجعل بناؤه على هذه الصيغة لكونه كالآلة، فالعالم آلة في الدلالة على صانعه. وقال الراغب أيضًا: وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم، والإنسان إذا شارك غيره فيه اللفظ غلب حكمه. وظاهر هذا أن "العالمين" يطلق على العقلاء وغيرهم، وهو مخالف لما تقدم من اختصاصه بالعقلاء -كما زعم بعضهم- وكلام
(١) الدر المصون ج ١ ص ٦٧.