ومناسبته لما قبله أن فيه حَثًّا للعالمين على تقوى الله تعالى، لتكون لهم العاقبة المحمودة. والله تعالى أعلم.
قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: و"العاقبةُ": آخر كلّ شيء، ولكنّها إذا أطلقت، فقيل: العاقبة لفلان، فُهم منه في العُرْف الخير. قاله القرطبيّ (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: "ال" في "العاقبة" لاستغراق خصائص الأفراد، كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}، ومنه نحو: زيد الرجل علمًا، أي الكامل في هذه الصفة (٢).
فعاقبة المتقين هي العاقبة المعتبرة، وأما العواقب التي تكون لغير المتقين فليست معتبرةً، فكأنها لا شيء. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(وَصَلَّى الله) جملة فعليّة خبريّةٌ لفظًا، إنشائيّةٌ معنًى، وأصح ما قيل معناها صلاة الله تعالى ثناؤه عز وجل على نبيّه -صلى الله عليه وسلم- عند الملائكة الكرام، كما سيأتي تمام البحث في ذلك قريبًا، إن شاء الله تعالى.
وهذا الّذي فَعَلَه المصنّف رحمه الله تعالى من ذكر الصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد الحمدلة، هو عادة العلماء رحمهم الله تعالى.
قال النوويّ رحمه اللهُ تعالى: روَينا بإسنادنا الصحيح المشهور من "رسالة الشافعيّ"، عن ابن عُيينة، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد رحمه اللهُ في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)}، قال: لا أُذكر إلا ذُكرت، أشهد أن لا إله الا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. ورَوَينا هذا التفسير مرفوعًا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن جبريل، عن ربّ العالمين. انتهى (٣).
(عَلَى مُحَمَّدٍ) أشرف أسماء نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-، سمّي به لكثرة خصاله المحمودة، كذا قاله ابن فارس وغيره من أهل اللغة، قالوا: ويقال لكلّ كثير الخصال الجميلة: محمّد، ومحمود. وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا أيضًا إن شاء الله تعالى (خَاتَم النَّبِيّنَ) أي آخرهم، فلا نبيّ بعده -صلى الله عليه وسلم-.
وفي "الخاتم" لغات: قال في "القاموس" و"شرحه": الْخِتَام ككِتَاب: الطينُ يُختم به على الشيء، والخاتَمُ -بفتح التاء-: ما يوضع على الطينة، وحَلْيٌ للإصبع،
(١) الجامع لأحكام القرآن ج ٧ س ص ٢٦٣.
(٢) راجع مغني اللبيب ج ١ ص ٥٠ في مبحث "أل".
(٣) شرح مسلم ج ١ ص ٤٣ - ٤٤.