آمين، فلما ارتقيت الثالثة قال: بعُد من أدرك أبويه الكِبَرُ عنده، أو أحدَهما، فلم يُدخلاه الجنّة، قلت: "آمين". رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
(ومنها): حديث أوس بن أوس -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أفضل أيامكم يومُ الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصَّعْقَة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ". قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرض صلاتنا عليك، وقد أَرَمْتَ -يعني بَلِيتَ-؟ ، فقال: "إنّ الله -صلى الله عليه وسلم- حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبّان في "صحيحه"، والحاكم، وصحّحه.
وقوله: "أَرَمْتَ " -بفتح الهمزة، والراء، وسكون الميم، وروي -بضمّ الهمزة، وكسر الراء- قاله الحافظ المنذريّ رحمه الله تعالى.
(ومنها): حديث أبي ذَرّ -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إن أبخل الناس، من ذُكرتُ عنده، فلم يُصلّ عليّ". أخرجه إسماعيل القاضي، وصححه الألباني رحمه الله لشواهده.
فهذه بعض الأحاديث الصحيحة في فضل الصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، انتخبتها من كتاب الإمام الحافظ إسماعيل بن إسحاق القاضي (١٩٩ - ٢٨٢ هـ) بتحقيق الألباني، وتركت منها كثيرًا للاختصار، ومن كتاب "الترغيب والترهيب" للحافظ المنذريّ (ت ٦٥٦ هـ). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى، مبيّنًا سبب تأليفه الكتاب:
(أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّكَ -يَرْحَمُكَ الله بِتَوْفِيقِ خَالِقِكَ- ذَكَرْتَ أَنَّكَ هَمَمْتَ بالْفَحْصِ، عَن تَعَرُّفِ جُمْلَةِ الأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فِي سُنَنِ الدِّينِ، وَأَحْكَامِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الثَّوَاب، وَالْعِقَاب، وَالتَّرْغِيبِ، والتَّرْهِيبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ صُنُوفِ الأَشْيَاءِ بِالأَسَانِيدِ الّتِي بِهَا نُقِلَتْ، وَتَدَاوَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ).
الشرح الإجماليّ لهذه الفِقْرَة (١):
خَاطَبَ رحمه الله تعالى مَنْ طَلَب منه أن يؤلّف له كتابًا -بقوله: أما بعدُ- أي بعدَ الحمد لله، والصلاة على النبيّ -صلى الله عليه وسلم - فإنك أيها الطالب رحمك الله تعالى بسبب توفيق
(١) "الفقرة" بكسر الفاء، وفتحها، كما في "القاموس"، مأخوذ من فَقَار الظهر، قال في "تعريفات الشريف الجرجانيّ" ص ١١٩: الفقرة في اللغة: اسم لكل حَلْي يُصاغ على هيئة فَقَار الظهر، ثم استعير لأجود بيت في القصيدة تشبيهًا له بالْحَلْي، ثم استُعير لكل جملة من الكلام تشبيهًا لها بأجود بيت في القصيدة. انتهى.
قال الجامع: المعنى الأخير هو المقصود هنا. والله تعالى أعلم.