قليلة، أو رديئة: ما نصّهْ قال ابن دريد: لا يقال: أشغلته، ومثله في شروح "الفصيح"، و"شرح الشفا" للشهاب، و"المفردات" للراغب، و"الأبنية" لابن القطّاع، ولا يُعرف لأحدٍ القولُ بجودتها عن إمام من أئمّة اللغة. وكتبه بعض عُمّال الصاحب له في رُقعَة، فوقّع عليها: من يكتب إشغالي، لا يصلح لأشغالي. قال شيخنا: فإذا لا معنى لتردّد المصنّف فيها. قال الزَّبِيديّ. ولعلّه استأنس بقول ابن فارس حيث قال في "المجمل": لا يكادون يقولون: أَشغَلْت، وهو جائزٌ، فتأمّل ذلك. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذكره أئمة اللغة المعتمدون أن اللغة الفصحى شَغَله، وأما أشغله، فلا تثبت، أو هي لغةٌ رديئةٌ، في اشتهر على ألسنة الناس من قولهم في الدعاء: "اللهمّ أشغله" بالألف، فهو استعمال لما لَمْ يثبت لغةً، أو استعمالٌ للغة رديئة، لا ينبغي استعمالها، ولا سيّما في الدعاء. فليُتَنَبّه. والله تعالى أعلم.
(عَمَّا لَهُ قَصَدتَ) أي عن الشيء الذي آردته (مِنَ التَّفَهُّمِ) بيان لـ "ما"، وهو تفَعُّلٌ من الفَهم، يقال: تفهَّمَ الشيءَ: إذا فَهِمَهُ شيئًا بعد شيء. أفاده في "القاموس". وفيه إشارة إلى أن فهم تلك الأحاديث يحتاج إلى التدرّج شيئًا، فشيئًا، فإن معرفتها لا يتيسّر إلا كذلك، فينبغي للطالب أن يكون طلبه تدريجيًا، بحيث لا يصعب عليه، فقد ثبت في "الصحيحين" من حديث عائشة -رضي الله عنها-، مرفوعًا: "خذوا من الأعمال ما تُطيقون ... ". الحديث، ونُقل عن الزهريّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى قوله: من طلب العلم جملة، فاته جملة، وإنما العلم حديث، وحديثان (٢).
(فِيهَا) أي في تلك الأخبار (وَالاسْتِنْبَاطِ مِنْهَا) أي استخراج الأحكام من تلك الأخبار. يقال: استنبطت الحكمَ: استخرجته بالاجتهاد، وأنبطته مثلُهُ، وأصله من استبَطَ الحافرُ الماءَ، وأنبطه: إنباطًا: إذا استخرجه بعمله. قاله في "المصباح". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
(وَلِلَّذِي سَأَلْتَ -أَكْرَمَكَ اللهُ- حِينَ رَجَعْتُ إِلَى تَدَبُّرِهِ، وَمَا تَؤُولُ بِهِ الْحَالُ -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- عَاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ، وَمَنْفَعَةٌ مَوْجُودَةٌ).
الشرح الإجماليّ لهذه الفقرة:
(١) راجع "تاج العروس في شرح القاموس" في مادّة "شغل".
(٢) راجع تدريب الراوي ج ٢ ص ١٥٢ تحقيق الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف.