(فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًا) بالضم، أي استغناء (مِنْ إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ، فَلَا نَتَوَلَّى فِعْلَهُ) يعني أنه إذا لم تدع الحاجة إلى إعادة الحديث، بأن كان الحديث المذكور واضح الدلالة لا يعيده مرّة ثانية؛ لاستغنائه عنه.
وقوله (إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى) فيه العمل بقوله تعالى، {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} الآية. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلق بكلام المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى المذكور:
المسألة الأولى: في قوله: "فنقسمها على ثلاثة أقسام"
قال الإمام القاضي عياض رَحِمَهُ اللهَ تعالى: قال الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن البيّع: إن مسلمًا رَحِمَهُ اللهُ تعالى أراد أن يخرّج الصحيح على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الرواة.
قال: فلم يقدّر له رَحِمَهُ اللهُ تعالى إلا الفراغ من الطبقة الأولى، واخترمته المنيّة قبل أن يتمّ غرضه، إلا من القسم الأول المتّفق عليه من الصحيح إلى آخر كلامه.
قال القاضي رَحِمَهُ اللهُ تعالى: هذا الذي تأوله أبو عبد الله الحاكم على مسلم من اخترام المنيّة قبل استيفاء غرضه، مما قبله الشيوخ، وتابعه عليه الناس في أنه لم يُكمل غرضه إلا من الطبقة الأولى، ولا أدخل في تأليفه سواها.
وأنا أقول: إن هذا غير مسلّم لمن حقّق نظره، ولم يتقيّد بتقليد ما سمعه، فإنك إذا نظرت تقسيم مسلم في كتابه الحديث -كما قال- على ثلاث طبقات، فذكر أن القسم الأول حديث الحفّاظ، ثم قال: إنه إذا تقصّى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالْحِذْق والإتقان، مع كونهم من أهل الستر، والصدق، وتعاطي العلم، وذكر أنهم لاحقون بالطبقة الأولى، وسمّى أسماءً من كلّ طبقة من الطبقتين المذكورتين، ثم أشار إلى ترك حديث من أَجمَع، أو اتفق الأكثر على تهمته، وبقي من اتّهمه بعضهم، وصححه بعضهم، فلم يذكره هنا، ووجدته رَحِمَهُ اللهُ تعالى قد ذكر في أبواب كتابه، وتصنيف أحاديثه حديث الطبقتين الأوليين، وجاء بأسانيد الطبقة الثانية التي سمّاها، وحديثها، كما جاء بالأولى على طريق الإتباع لأحاديث الأولى، والاستشهاد بها، أو حيث لم يجد في الباب للأولى شيئًا.
وذكر أقوامًا تكلّم قومٌ فيهم، وزكّاهم آخرون، وخَرَّجَ حديثهم ممن ضُعِّف، أو اتُّهم ببدعة، وكذلك فعله البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى.
فعندي أنه رَحِمَهُ اللهُ تعالى قد أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر، ورتّب في كتابه، وبيّنه في تقسيمه، وطرح الرابعة، كما نصّ عليه.